الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

اعلم أنه تعالى حكى عن المنافقين في هذه الآية نوعا آخر من الأعمال الفاسدة، وهو أنه إذا جاءهم الخبر بأمر من الأمور سواء كان ذلك الأمر من باب الأمن أو من باب الخوف أذاعوه وأفشوه، وكان ذلك سبب الضرر من وجوه: الأول: أن مثل هذه الارجافات لا تنفك عن الكذب الكثير. والثاني: أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة، فاذا لم توجد تلك الزيادات أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول عليه السلام، لأن المنافقين كانوا يروون تلك الارجافات عن الرسول، وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الارجافات سببا للفتنة من هذا الوجه. الوجه الثالث: وهو أن الارجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام، وذلك سبب لظهور الأسرار، وذلك مما لا يوافق مصلحة المدينة. الرابع: أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين وبين الكفار، وكان كل واحد من الفريقين في إعداد آلات الحرب وفي انتهاز الفرصة فيه، فكل ما كان آمناً لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني، فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم أرجف المنافقون بذلك فوصل الخبر في أسرع مدة إلى الكفار، فأخذوا في التحصن من المسلمين، وفي الاحتراز عن استيلائهم عليهم، وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك، وزادوا فيه وألقوا الرعب في قلوب الضعفة والمساكين، فظهر من هذا أن ذلك الارجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه، ولما كان الأمر كذلك ذم الله تلك الاذاعة وذلك التشهير، ومنعهم منه. واعلم أن قوله: أذاع به لغتان. ثم قال تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }. وفيه مسائل: المسألة الأولى: في { أُوْلِى ٱلأَمْرِ } قولان: أحدهما: إلى ذوي العلم والرأي منهم. والثاني: إلى أمراء السرايا، وهؤلاء رجحوا هذا القول على الأول، قالوا لأن أولي الأمر الذين لهم أمر على الناس، وأهل العلم ليسوا كذلك، إنما الأمراء هم الموصوفون بأن لهم أمراً على الناس. وأجيب عنه: بأن العلماء إذا كانوا عالمين بأوامر الله ونواهيه، وكان يجب على غيرهم قبول قولهم لم يبعد أن يسموا أولي الأمر من هذا الوجه، والذي يدل عليه قوله تعالى:لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122] فأوجب الحذر بانذراهم وألزم المنذرين قبول قولهم، فجاز لهذا المعنى إطلاق اسم أولي الأمر عليهم. المسألة الثانية: الاستنباط في اللغة الاستخراج يقال: استنبط الفقيه اذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه، وأصله من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر، والنبط إنما سموا نبطا لاستنباطهم الماء من الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5