الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ }

وكما قال الحق: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً } وقال: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } ، { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } فهو هنا يأتي باسم " لوط " منصوباً لأنه معطوف على من سبقه من أصحاب الرسالات. وما هو زمان الإِرسال؟ إن قوله الحق: { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } يفيد أن زمن القول كان وقت الإِرسال. وهي الإِشارة القرآنية ذات الدلالة الواضحة على أن الرسول حين يبعث ويرسل إليه ويبلَّغ الرسالة لا يتوانى لحظة في أداء المهمة، فكأن تبليغ الرسالة تزامن مع قوله: { يَاقَوْمِ }. والأسلوب يريد أن يبين لك أنه بمجرد أن يقال له: " بلغ " فهو يبلغ الرسالة على الفور، وكأن الرسالة جاءت ساعة التبليغ فلا فاصل بينهما. { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } [الأعراف: 80]. وكلمة " قومه " تعني أنه منهم، ولماذا لم يقل: " أخاهم لوطاً "؟ وهذه لها معنى يفيد أن السابقين من الرسل كانوا من بيئة الأقوام الذين أرسلوا إليهم فعاد كان " هود " من بيئتهم و " ثمود " كان صالح من بيئتهم وإذا كان الحق لم يقل " أخاهم لوطاً " فلنلحظ أنه أوضح أنه قد أرسله إلى قومه، وهذه تنبهنا إلى أن لوطاً لم يكن من هذا المكان، لأن لوطاً وإبراهيم عليهما السلام كانا من مدينة بعيدة، وجاء إلى هذا المكان فراراً من الاضطهاد هو وإبراهيم عليهما السلام، وهذا يبين لنا أن لوطاً طارئ على هذا المكان، ولم يكن أخاهم المقيم معهم في البيئة نفسها. ولكنهم " قومه " لأنه عاش معهم فترة فعرف بعضهم بعضاً، وعرفوا بعضاً من صفاته، وأنسوا به. أقول ذلك لننتبه إلى دقة أداء القرآن، فمع أن القصص واحد فسبحانه يضع لنا التمييز الدقيق، ولم يقل لهم لوط: إن ربي نهاكم عن هذه العملية القذرة وهي إتيان الرجال. بل أراد أن يستفهم منهم استفهاماً قد يردعهم عن العملية ويقبحها. وكان استفهام سيدنا لوط هو استفهام تقريع، واستفهام إنكار، فلم يقل لهم: إن ربنا يقول لكم امتنعوا عن هذا الفعل، بل يستنكر الفعل كعمل مضاد للفطرة، واستنكار فطري. { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } [الأعراف: 80]. وهذا يدل على أنه يريد أن يسألهم سؤالاً إنكاريًّا ليحرجهم، لأن العقل الفطري يأبى هذه العملية: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ }. أي أن هذه المسألة لم تحدث من قبل لأنها عملية مستقذرة لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة، لكنهم فعلوها، وهذا الفعل يدل على أنها مسألة قد تشتهيها النفس غير السويَّة. ولكنها عملية قذرة تأباها الفطرة السليمة. وكلمة " فاحشة " تعطينا معنى التزيد في القبح فهي ليست قبحاً فقط، بل تَزَيُّدٌ وإيغال وتعمق في القبح ومبالغة فيه لأن الفاحشة تكون أيضاً إذا ما أتى الرجل أنثى معدة لهذه العملية لأنه لم يعقد عليها، ولم يتخذها زوجاً، وعندما يتزوجها تصير حِلاًّ له، لكن إتيان الذكر للذكر هو تزيد في الفحش.

السابقالتالي
2 3