الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ }

{ أَءَنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا }.يجوز أن يكون { أءُنزِلَ عليه الذكر من بيننا } من كلام عموم الكافرين المحكي بقولهوقال الكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كذَّابٌ } ص4 فيكون متصلاً بقولهأجعَلَ الآلِهة إلٰهاً واحداً } ص 5 ويكون قوله { أءُنزلَ عليه الذكرُ } بياناً لجملةكَذَّابٌ } ص 4، لأن تقديره هذا كذّاب إذ هو خبر ثان لــــ كان، ولكونه بياناً للذي قبله لم يعطف عليه ويكون ما بينهما من قولهوانطلق الملأُ منهم } ص6 إلى قولهإن هٰذا إلا اختلاقٌ } ص7 اعتراضاً بين جملتي البيان.ويجوز أن يكون من تمام كلام الملأ واستغني به عن بيان جملة { كَذَّابٌ } لأن نطق الملأ به كافٍ في قول الآخرين بموجَبه فاستغنوا عن بيان جملة { كذابٌ }.والاستفهام إنكاري، ومناط الإِنكار هو الظرف { من بيننا } وهو في موضع حال من ضمير { عليه } ، فأنكروا أن يُخص محمد صلى الله عليه وسلم بالإِرسال وإنزاللِ القرآن دون غيره منهم، وهذا هو المحكي في قوله تعالىوقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31 أي من مكة أو الطائف ولم يريدوا بهذا الإِنكار تجويز أصل الرسالة عن الله وإنما مرادهم استقصاء الاستبعاد فإنهم أنكروا أصل الرسالة كما اقتضاه قوله تعالىوعَجِبوا أن جاءَهم مُنذرٌ منهم } ص4 وغيره من الآيات، وهذا الأصل الثاني من أصول كفرهم التي تقدم ذكرها عند قوله تعالىأجعل الآلهة إلٰهاً واحداً } ص 5 وهو أصل إنكار بعثه رسول منهم. { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِ } يجوز أن يكون هذا جواباً عن قولهم { أءُنزِلَ عليه الذكر من بيننا } أي ليس قصدهم الطعن في اختصاصك بالرسالة ولكنهم شاكُّون في أصل إنزاله، فتكون { بل } إضراباً إبطالياً تكذيباً لما يظهر من إنكارهم إنزال الذكر عليه من بينهم على ما تقدم، أي إنما قصدهم الشك في أن الله يوحي إلى أحد بالرسالة، فيكون معنى { في شَكّ من ذِكري } شكّاً من وقوعه. والشك يطلق على اليقين مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق والتقييد فيكون كمعنى قوله تعالىفإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون } الأنعام33. ويجوز أن يكون انتقالاً من خبر عنهم إلى خبر آخر فيكون استئنافاً وتكون { بل } للإِضراب الانتقالي، والمعنى وهم في شك من ذكري، أي في شك من كنه القرآن، فمرة يقولون افتراه، ومرة يقولون شعر، ومرة سحر، ومرة أساطير الأولين، ومرة قول كاهن. فالمراد بالشك حقيقتهُ أي التردد في العلم. وإضافة الذكر إلى ضمير المتكلم وهو الله تعالى إضافة تشريف ولتحقيق كونه من عند الله. والذكر على هذا الوجه هو عين المراد من قوله { أءُنزل عليه الذكر } وإنما وقع التعبير عنه بالظاهر دون الضمير توصلاً إلى التنويه به بأنه من عند الله. و { في } للظرفية المجازية، جُعلت ملابسة الشك إياهم بمنزلة الظرف المحيط بمحويه في أنه لا يخلو منه جانب من جوانبه.

السابقالتالي
2