الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا }: " أحبُّ " أفعل تفضيل، وهو مبنيٌّ مِنْ " حُبَّ " المبني للمفعول وهو شاذ. وإذا بَنَيْتَ أفعل التفضيل مِنْ مادة الحب والبغض تعدَّى إلى الفاعل المعنوي بـ " إلى " ، وإلى المفعولِ المعنويّ باللام أو بـ " في " ، فإذا قلت: " زيدٌ أحبُ إليَّ مِنْ بكر " يعني أنك تحب زيداً أكثر من بكر فالمتكلم هو الفاعلُ، وكذلك: " هو أبغض إليَّ منه " أنت المُبْغِض، وإذا قلت: زيدٌ أحبُّ لي مِنْ عَمْروٍ، أو أَحَبُّ فيَّ منه، أي: إنَّ زيداً يحبُّني أكثر من عمرو. وقال امرؤ القيس:
2740 ـ لَعَمْري لَسَعْدٌ حيث حُلَّت ديارُه   أحبُّ إلينا منكَ فافرسٍ حَمِرْ
وعلى هذا جاءَتِ الآيةُ الكريمة، فإنَّ الأبَ هو فاعل المحبَّة. واللام في " ليوسف " لامُ الابتداء أفادَتْ توكيداً لمضمون الجملة، وقوله: " أحبُّ " خبر المثنىٰ، وإنما لم يطابِقْ لِما عَرَفْتَ مِنْ حكم أفعلَ التفضيل.

والواو في " ونحن عصبةٌ " للحال، فالجملةُ بعدها في محل نصب على الحال. والعامَّةُ على رفع " عُصْبة " خبراً لـ " نحن ". وقرأ أمير المؤمنين بنصبها على أن الخبر محذوف، والتقدير: نحن نُرى أو نجتمع فيكون " عصبة " حالاً، إلا أنه قليلٌ جداً، وذلك لأن الحال لا تَسُدُّ مَسَدَّ الخبر إلا بشروطٍ ذكرها النحاة نحو " ضَرْبي زيداً قائماً " ، و " أكثر شُرْبي السَّوِيْقَ ملتوتاً ". قال ابن الأنباري: " هذا كما تقول العرب: " إنما العامريُّ عِمَّتَه " أي: يتعمَّم عِمَّته ".

قال الشيخ: " وليس مثلَه لأنَّ " عصبة " ليس بمصدرٍ ولا هيئةٍ، فالأجودُ أن يكونَ من باب " حُكْمُك مُسَمَّطاً ". قلت: ليس مرادُ ابنِ الأنباري إلا التشبيهَ من حيث إنه حَذَف الخبر وسَدَّ شيءٌ آخرُ مَسَدَّه في غير المواضع المنقاسِ فيها ذلك، ولا نَظَر لكونِ المنصوب مصدراً أو غيرَه. وقال المبرد: " هو من باب " حُكْمُك مُسَمَّطاً " أي:/ لك حكمُك مُسَمَّطاً، قال الفرزدق: " يا لَهْذَمُ حُكمك مُسَمَّطاً " أراد: لك حكمُك مُسَمَّطاً، قال: " واسْتُعْمل هذا فَكَثُرَ حتى حُذِف استخفافاً لعلم ما يريد القائل كقولك: " الهلالُ واللَّهِ " أي: هذا الهلال ". والمُسَمَّط: المُرْسَلُ غير المردودِ. وقدَّره غيرُ المبرد: حُكْمُك ثَبَتَ مُسَمَّطاً. وفي هذا المثالِ نظرٌ؛ لأنَّ النحويين يجعلون مِنْ شَرْط سَدِّ الحالِ مَسَدَّ الخبرِ أن لا يَصْلُحَ جَعْلُ الحال خبراً لذلك المبتدأ نحو: " ضربي زيداً قائماً " بخلاف: " ضربي زيداً شديدٌ " ، فإنها تُرْفع على الخبرية، و تَخْرج المسألة من ذلك، وهذه الحال أعني مُسَمَّطاً يَصْلُحُ جَعْلُها خبراً للمبتدأ، إذ التقدير: حُكْمُكَ مُرْسَلٌ لا مَرْدُود، فيكون هذا المَثَلُ على ما قَرَّرْتُه مِنْ كلامهم شاذاً.

والعُصْبة: ما زاد على عشرة، عن ابن عباس، وعنه: ما بين عشرةٍ إلى أربعين. وقيل: الثلاثة نفر، فإذا زاد على ذلك إلى تسعة فهم رَهْط، فإذا بلغوا العشرة فصاعداً فعُصْبة. وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة. وقيل من عشرة إلى خمسة عشر. وقيل: ستة. وقيل: سبعة. والمادة تدلُّ على الإِحاطة من العِصابة لإِحاطتها بالرأس.