الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }

قوله تعالى: { فَأَلْهَمَهَا } أي عَرَّفها كذا رَوَى ابن أبي نَجِيح عن مجاهد. أي عرفها طريق الفجور والتقوى وقاله ابن عباس. وعن مجاهد أيضاً: عَرَّفها الطاعة والمعصية. وعن محمد بن كعب قال: إذا أراد الله عز وجل بعبده خيراً، ألهمه الخيرَ فعمِل به، وإذا أراد به السوء، ألهمه الشر فعمِل به. وقال الفَراء: «فأَلهمها» قال: عَرّفها طريق الخير وطريق الشر كما قال:وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10]. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أَلْهَمَ المؤمن المتقي تقواه، وألهم الفاجر فجوره. وعن سعيد عن قتادة قال: بَيَّن لها فجورها وتقواها. والمعنى متقارب. ورُوِي عن أبي هريرة قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } قال: «اللَّهُمَّ آتِ نَفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت ولِيُّها وموَلاها» " ورواه جُوَيبر عن الضحاك عن ابن عباس: " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } رفع صوته بها، وقال: «اللهم آتِ نفسِي تقواها، أنت ولِيها ومولاها، وأنت خيرُ من زَكَّاها» " وفي صحيح مسلم: عن أبي الأسود الدُّؤَلِيّ قال: قال لي عِمران بن حصين: أرأيتَ ما يعمل الناس اليوم، ويَكْدَحون فيه، أشيء قُضِي ومَضَى عليهم من قَدَرٍ سبق، أو فيما يَسْتقبلون مما أتاهم به نبِيُّهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قُضِي عليهم، ومَضى عليهم. قال فقال: أفلا يكون ظُلْماً؟ قال: ففزِعت من ذلك فَزَعاً شديداً، وقلت: كل شيء خَلْقُ الله ومِلْك يده، فلا يُسْأَل عما يفعلُ وَهُمْ يُسْأَلون. فقال لي: يرحمك الله! إني لم أرِد بما سألتك إلا لأَحزِر عقلَك، " إنّ رجلين من مُزَينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعملُ الناس اليوم ويَكْدَحون فيه: أشيء قُضِيَ عليهم ومضى فيهمْ من قَدَرٍ قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبِيُّهم. وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: «لا بل شيء قُضِي عليهم ومضى فيهم. وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } » " والفجور والتقوى: مصدران في موضع المفعول به.