الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ }.

أي اصطفاكم، واختاركم يا أمة محمد.

ومعنى هذه الآية أوضحه بقولهكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] الآية.

قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }.

الحرج: الضيق كما أوضحناه في أول سورة الأعراف.

وقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن هذه الحنيفية السمحة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أنها مبنية على التخفيف والتيسير، لا على الضيق والحرج. وقد رفع الله فيها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا.

وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة ذكره جل وعلا في غير هذا الموضع كقوله تعالىيُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185] وقولهيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } [النساء: 28] وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، " وابن عباس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ خواتم سورة البقرة " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله قد فعلت " " في رواية ابن عباس. وفي رواية أبي هريرة قال: نعم. ومن رفع الحجر في هذه الشريعة الرخصة في قصر الصلاة في السفر والإفطار في رمضان فيه، وصلاة العاجز عن القيام قاعداً وإباحة المحظور للضرورة كما قال تعالىوَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [الأنعام: 119] الآية إلى غير ذلك من أنواع التخفيف والتيسير، وما تضمنته هذه الآية الكريمة والآيات التي ذكرنا معها من رفع الحرج، والتخفيف في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، هو إحدى القواعد الخمس، التي بنى عليها الفقه الإسلامي وهي هذه الخمس.

الأولى: الضرر يزال ومن أدلتها حديث: " لا ضرر ولا ضرار ".

الثانية: المشقة تجلب التيسير: وهي التي دل عليها قوله هنا { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وما ذكرنا في معناها من الآيات.

الثالثة: لا يرفع يقين بشك، ومن أدلتها حديث " من أحس بشيء في دبره في الصلاة وأنه لا يقطع الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً " لأن تلك الطهارة المحققة لم تنقض بتلك الريح المشكوك فيها.

الرابعة: تحكيم عرف الناس المتعارف عندهم في صيغ عقودهم ومعاملاتهم، ونحو ذلك. واستدل لهذه بعضهم بقولهوَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } [الأعراف: 199] الآية.

الخامسة: الأمور تبع المقاصد، ودليل هذه حديث " إنما الأعمال بالنيات " الحديث. وقد اشار في مراقي السعود في كتاب الاستدلال إلى هذه الخمس المذكورات بقوله:
قد أسس الفقه على رفع الضرر   وأن ما يشق يجلب الوطر
ونفى رفع القطع بالشك وأن   يحكم العرف وزاد من فطن
كون الأمور تبع المقاصد   مع التكلف ببعض وارد
قوله تعالى: { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ }.

السابقالتالي
2 3