الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ }

{ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } بدل منٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلْعُلَىٰ } [طه: 75] أو بيان وقد تقدم في عدن [أنها علم لمعنى الإقامة، أو لأرض الجنة] { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } حال من الجنات، وقوله تعالى: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى وهو حال من الضمير فيلَهُمْ } [طه: 75]، والعامل فيه معنى الاستقرار في الظرف أو ما فيأُوْلَـٰئِكَ } [طه: 75] من معنى أشير والحال مقدرة ولا يجوز أن يكون { جَنَّـٰتُ } خبر مبتدأ محذوف أي هي جنات لخلو الكلام حينئذ عن عامل في الحال ما ذكره أبو البقاء { وَذَلِكَ } إشارة إلى ما أتيح لهم من الفوز بما ذكر [من الدرجات] ومعنى البعد لما أشير إليه من قرب من التفخيم { جَزَاء مَن تَزَكَّىٰ } أي تطهر من دنس الكفر والمعاصي بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة. وهذا تصريح بما أفادته الشرطية، وتقديم ذكر حال المجرم للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه عز وجل ودوامه رداً على ما ادعاه فرعون بقوله:أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } [طه: 71]، وقال بعضهم: إن الشرطيتين إلى هنا ابتداء كلام منه جل وعلا تنبيهاً على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة والأول أولى خلافاً لما حسبه النيسابوري.

هذا واستدل المعتزلة بالشرطية الأولى على القطع بعذاب مرتكب الكبيرة قالوا: مرتكب الكبيرة مجرم لأن أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجرة ثم استعير لاكتساب المكروه وكل مجرم فإن له جهنم للآية فإن من الشرطية فيها عامة بدليل صحة الاستثناء فينتج مرتكب الكبيرة أن له جهنم وهو دال على القطع بالوعيد. وأجاب أهل السنة بأنا لا نسلم الصغرى لجواز أن يراد بالمجرم الكافر فكثيراً ما جاء في القرآن بذلك المعنى كقوله تعالى:يَتَسَاءلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } [المدثر: 40-42] إلى قوله سبحانه:وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } [المدثر: 46] وقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 29] إلى آخر السورة، وعلى تقدير تسليم هذه المقدمة لا نسلم الكبرى على إطلاقها وإنما هي كلية بشرط عدم العفو مع أنا لا نسلم أن من الشرطية قطعية في العموم كما قال الإمام وحينئذ لا يحصل القطع بالوعيد مطلقاً، وعلى تقدير تسليم المقدمتين يقال يعارض ذلك الدليل عموم الوعد في قوله تعالى { مِنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً } الخ ويجعل الكلام فيمن آمن وعمل الصالحات وارتكب الكبيرة / وهو داخل في عموممِنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } [طه: 75] ولا يخرجه عن العموم ارتكابه الكبيرة ومتى كانت له الجنة فهي لمن آمن وارتكب الكبيرة ولم يعمل الأعمال الصالحة أيضاً إذ لا قائل بالفرق، فإذا قالوا: مرتكب الكبيرة لا يقال له مؤمن كما لا يقال كافر لإثباتهم المنزلة بين المنزلتين فلا يدخل ذلك في العموم أبطلنا ذلك وبرهنا على حصر المكلف في المؤمن والكافر ونفي المنزلة بين الإيمان والكفر بما هو مذكور في محله.

السابقالتالي
2