الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره: ففتَّش يوسف أوعيتهم ورحالهم طالبـاً بذلك صُواع الـملك، فبدأ فـي تفتـيشه بأوعية إخوته من أبـيه، فجعل يفتشها وعاء وعاء قبل وعاء أخيه من أبـيه وأمه، فإنّه أخَّر تفتـيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فـاستـخرج الصواع من وعاء أخيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَبَدَأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ } ذُكر لنا أنه كان لا ينظر فـي وعاء إلاَّ استغفر الله تأثماً مـما قذفهم به، حتـى بقـيَ أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئاً، قالوا: بَلـى فـاسْتبرِه، أَلاَ وقد علـموا حيث وضعوا سقايتهم. ثم استـخرجها من وعاء أخيه. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتاد، قال: فـاستـخرجها من وعاء أخيه، قال: كان كلـما فتـح متاعاً استغفر تائبـاً مـما صنع، حتـى بلغ متاع الغلام، فقال: ما أظنّ هذا أخذ شيئاً، قالوا: بلـى، فـاستبره. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: { فَبَدأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وَعاءِ أخِيهِ } فلـما بقـي رَحْلُ الغلام، قال: ما كان هذا الغلام لـيأخذه. قالوا: والله لا يترك حتـى تنظر فـي رحله، لنذهب وقد طابت نفسك فأدخـل يده فـاستـخرجها من رحله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قال الرسول لهم: { ولِـمَنْ جاءِ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأنا بِهِ زَعِيـمٌ } قالوا: ما نعلـمه فـينا ولا معنا. قال: لستـم ببـارحين حتـى أفتش أمتعتكم وأُعْذِر فـي طلبها منكم. فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاء، يفتشها وينظر ما فـيها، حتـى مرّ علـى وعاء أخيه ففتشه، فـاستـخرجها منه، فأخذ برقبته، فـانصرف به إلـى يوسف. يقول الله: { كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ }. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: ذُكِر لنا أنه كان كلـما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثماً، قد علـم أين موضع الذي يطلب. حتـى إذا بقـي أخوه وعلـم أن بغيته فـيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبـالـي أن لا أبحث متاعه قال إخوته: إنه أطيب لنفسك وأنفسنا أن تستبرىء متاعه أيضاً. فلـما فتـح متاعه استـخرج بغيته منه قال الله: { كذلكَ كِدْنا لـيُوسُفَ }. واختلف أهل العربـية فـي الهاء والألف اللتـين فـي قوله: { ثُمَّ اسْتَـخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخِيهِ } فقال بعض نـحويِّـي البصرة: هي من ذكر «الصواع»، قال: وأنّث وقد قال:ولِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } لأنه عنى الصُّواع. قال: والصواع مذكر، ومنهم من يؤنث الصواع، وعنـى ههنا السقاية، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد مثل الثوب والـملـحفة مذكر ومؤنث لشيء واحد.

السابقالتالي
2 3 4 5