الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

اعلم أنه تعالى أكد إبطال مذهب عبدة الأصنام بهذا المثال وفيه مسائل: المسألة الأولى: في تفسير هذ المثل قولان: القول الأول: أن المراد أنا لو فرضنا عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء، وفرضنا حراً كريماً غنياً كثير الإنفاق سراً وجهراً، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة والبشرية، فكيف يجوز للعاقل أن يسوي بين الله القادر على الرزق والإفضال، وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر ألبتة. والقول الثاني: أن المراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، فإنه من حيث إنه بقي محروماً عن عبودية الله تعالى وعن طاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز، والمراد بقوله: { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا } هو المؤمن فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله فبين تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى. واعلم أن القول الأول أقرب، لأن ما قبل هذه الآية وما بعدها إنما ورد في إثبات التوحيد، وفي الرد على القائلين بالشرك فحمل هذه الآية على هذا المعنى أولى. المسألة الثانية: اختلفوا في المراد بقوله: { عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } فقيل: المراد به الصنم لأنه عبد بدليل قوله:إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبداً } [مريم: 93] وأما أنه مملوك ولا يقدر على شيء فظاهر، والمراد بقوله: { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً } عابد الصنم لأن الله تعالى رزقه المال وهو ينفق من ذلك المال على نفسه وعلى أتباعه سراً وجهراً. إذا ثبت هذا فنقول: هما لا يستويان في بديهة العقل، بل صريح العقل يشهد بأن ذلك القادر أكمل حالاً وأفضل مرتبة من ذلك العاجز، فهنا صريح العقل يشهد بأن عابد الصنم أفضل من ذلك الصنم فكيف يجوز الحكم بكونه مساوياً لرب العالمين في العبودية. والقول الثاني: أن المراد بقوله: { عبداً مملوكاً } عبد معين، وقيل: هو عبد لعثمان بن عفان، وحملوا قوله: { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } على عثمان خاصة. والقول الثالث: أنه عام في كل عبد بهذه الصفة وفي كل حر بهذه الصفة، وهذا القول هو الأظهر، لأنه هو الموافق لما أراده الله تعالى في هذه الآية، والله أعلم. المسألة الثالثة: احتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً. فإن قالوا: ظاهر الآية يدل على أن عبداً من العبيد لا يقدر على شيء، فلم قلتم: إن كل عبد كذلك؟ فنقول: الذي يدل عليه وجهان: الأول: أنه ثبت في أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وكونه عبداً وصف مشعر بالذل والمقهورية.

السابقالتالي
2