الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

إذن: فبعد أن ذكر الحق لنا الجنة وما فيها، وما يجعل النفس مشتاقة إلى الجنة، فهو يُذكِّرنا بما يجب علينا أن نفعله لخدمة منهج الله - ولله المثل الأعلى - مثلما تقول لابنك: عندما تتخرج طبيباً ستكون لك عيادة كبيرة ثم مستشفى، وترتقي معه فيما ينتظره من مستقبل كبير، وتُذكِّره بضرورة أن يجتهد في المذاكرة حتى يصل إلى ما يتمناه. وبذلك تكون قد حبَّبته في الغاية التي سيصل إليها، ثم انتقلت لتحببه في الوسيلة التي ستوصله إلى هذه الغاية. وهنا يقول الحق سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } والحق جَلَّ وعلا يخص رسوله صلى الله عليه وسلم بالتكريم والتعظيم، فلم يُناده باسمه. بل قال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } وفي مواقع أخرى يناديه: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ }. ولكن النداء من الحق لباقي الأنبياء، يكون مثل قوله تعالى:وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ... } [البقرة: 35]. وقوله تعالى:قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ... } [هود: 48]. ونادى الحق إبراهيم:يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ... } [الصافات: 104-105]. ونادى الحق موسى:يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ... } [طه: 11-12]. وخاطب الحق سيدنا عيسى:يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ... } [المائدة: 116]. فكل رسول ناداه الحق سبحانه وتعالى باسمه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناداه بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، و { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } تكريماً للرسول عليه الصلاة والسلام، ورفعاً لمقامه عند ربه. وهنا يطلب الحق من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين. ونحن نعلم أن السماء لا تتدخل لإرسال رسول إلا إذا فسد المجتمع فساداً عامّاً. ونعلم أن النفس الإنسانية فيها قد فُطِرتْ على محبة الخير، فإن لم يحكمها هواها فهي تفعل الخير وتحبه، فإن حكمها هواها ستر عنها الخير وفتح الهوى للنفس أبواب الشر. وقد يطيع الإنسان هواه في أمر من الأمور، ثم يفيق فتلومه نفسه على ما فعل، هذه هي النفس اللوامة، التي تلوم صاحبها على الشر، وتدفعه إلى الخير. ولكن هناك نفس تتوقف فيها ملكات الخير فتفعل الشر، ولا تندم عليه، ثم ترتقي النفس في الشر فتصبح أمَّارة بالسوء، وتأبى ألا تكتفي بفعل الشر، بل تأمر به الناس وتُحبِّبه لهم. إذن: فمراحل النفس البشرية كثيرة، فهناك النفس التي تطمئن لمنهج الله وتطيعه. وهذه هي النفس المطمئنة التي يقول فيها الحق:يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27-30]. وإذا وُجدت النفس المطمئنة والنفس اللوامة، فاعلم أن المجتمع بخير لأن النفس المطمئنة تطيع، وتأمر بالطاعة، والنفس اللوامة تلوم صاحبها على الشر، ولكل مؤمن نقطة ضعف، فإذا ضعف مؤمن، يسرع له أخوه المؤمن ليلومه على ضعفه، ويصحح له مساره ولأن نقط الضعف مختلفة، نجد أن المجتمع يستقيم كلما وُجد من يلتفت النظر إلى المنكر وينهى عنه، وهؤلاء هم الذين يقول الحق عنهم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7