الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }

{ فَٱنطَلَقَا } أي موسى والخضر عليهما السلام ولم يضم يوشع عليه السلام لأنه في حكم التبع، وقيل رده موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس مرفوعاً أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، وفي رواية أبـي حاتم عن الربيع بن أنس أن أهل السفينة ظنوا أنهم لصوص لأن المكان كان مخوفاً فأبوا أن يحملوهم فقال كبيرهم: إني أرى رجالاً على وجوههم النور لأحملنهم فحملهم { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى ٱلسَّفِينَةِ } أل فيها لتعريف الجنس إذ لم يتقدم عهد في سفينة مخصوصة. وكانت على ما في بعض الروايات سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن سفينة أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق، وكانت أيضاً على ما يدل عليه بعض الروايات الصحيحة من سفن صغار يحمل بها أهل هذا الساحل إلى أهل الساحل الآخر، وفي رواية أبـي حاتم أنها كانت ذاهبة إلى أيلة، وصح أنهما حين ركبا جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، وهو جار مجرى التمثيل. واستعمال الركوب في أمثال هذه المواقع بكلمة { فِى } مع تجريده عنها في مثل قوله تعالى:لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [النحل: 8] على ما يقتضيه تعديته بنفسه قد مرت الإشارة إلى وجهه في قوله تعالى:وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا } [هود: 41] وقيل إن ذلك لإرادة معنى الدخول كأنه قيل حتى إذا دخلا في السفينة { خَرَقَهَا } صح أنهما لما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواحها بالقدوم فقال له موسى عليه السلام: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها، وصح أيضاً أنه عليه السلام خرقها ووتد فيها وتداً. وقيل قلع لوحين مما يلي الماء. وفي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً أنهما لما ركبا واطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها أخرج مثقاباً له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها. وهذه الرواية ظاهرة في أن خرقه / إياها كان حين وصولها إلى لج البحر وهو معظم مائه، وفي الرواية عن الربيع أن أهل السفينة حملوهما فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض خرقها، ويمكن الجمع بأن أول العزم كان وهي في اللج وتمام الفعل كان وقد شارفت على الأرض.

وظاهر الأخبار يقتضي أنه عليه السلام خرقها وأهلها فيها وهو ظاهر قوله تعالى: { قَالَ } موسى { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } سواء كانت اللام للعاقبة بناء على أن موسى عليه السلام حسن الظن بالخضر أو للتعليل بناء على أنه الأنسب بمقام الإنكار، وبعضهم لم يجوز هذا توهماً منه أن فيه سوء أدب وليس كذلك بل يوشك أن يتعين كونها للتعليل لأن الظاهر بناء الجواب عليه كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3