الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

المعنى:

قوله: { هو الذي أنزل عليك الكتاب } يعني القرآن { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } فالمحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، نحو قوله:إن الله لا يظلم الناس شيئاً } وقوله:لا يظلم مثقال ذرة } لأنه لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل. والمتشابه: ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد منه. نحو قوله:وأضله الله على علم } فانه يفارق قوله:وأضلهم السامري } لأن اضلال السامري قبيح وإضلال الله بمعنى حكمه بأن العبد ضال ليس قبيح بل هو حسن. واختلف أهل التأويل في المحكم، والمتشابه على خمسة أقوال:

فقال ابن عباس: المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ.

الثاني - قال مجاهد: المحكم ما لا يشتبه معناه، والمتشابه ما اشتبهت معانيه. نحو قوله:وما يضل به إلا الفاسقين } ونحو قوله:والذين اهتدوا زادهم هدى } الثالث - قال محمد بن جعفر بن الزبير، والجبائي: إن المحكم ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعداً.

الرابع - قال ابن زيد: إن المحكم: هو الذي لم تتكرر ألفاظه. والمتشابه هو المتكرر الألفاظ.

الخامس - ما روي عن جابر أن المحكم: ما يعلم تعيين تأويله، والمتشابه ما لا يعلم تعيين تأويله. نحو قوله:يسألونك عن الساعة أيان مرساها } وقوله: { هن أم الكتاب } معناه أصل الكتاب الذي يستدل به على المتشابه، وغيره من أمور الدين. وقيل في توحيد أم الكتاب قولان: أحدهما - أنه قدر تقدير الجواب على وجه الحكاية كأنه قيل: ما أم الكتاب؟ فقيل هن أم الكتاب كما يقال: من نظير زيد؟ فيقال: نحن نظيره. الثاني - أن يكون ذلك مثل قوله:وجعلنا ابن مريم وأمه آية } بمعنى الجميع آية ولو أريد أن كل واحد منهما آية على التفصيل، لقيل آيتين. فان قيل: لم أنزل في القرآن المتشابه؟ وهلا أنزله كله محكما! قيل للحث على النظر الذي يوجب العلم دون الاتكال على الخبر من غير نظر، وذلك أنه لو لم يعلم بالنظر أن جميع ما يأتي به الرسول حق يجوز أن يكون الخبر كذباً، وبطلت دلالة السمع، وفائدته، فلحاجة العباد إلى ذلك من الوجه الذي بيناه، أنزل الله متشابهاً، ولولا ذلك لما بان منزلة العلماء، وفضلهم على غيرهم، لأنه لو كان كله محكماً لكان من يتكلم باللغة العربية عالماً به، ولا كان يشتبه على أحد المراد به فيتساوى الناس في علم ذلك، على أن المصلحة معتبرة في انزال القرآن، فما أنزله متشابهاً لأن المصلحة اقتضت ذلك، وما أنزله محكما فلمثل ذلك. والمتشابه في القرآن يقع فيما اختلف الناس فيه من أمور الدين: من ذلك قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4