الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ }

قوله: { أَن رَّآهُ }: " أنْ " مفعولٌ له، أي: لرؤيتِه نفسَه مُسْتَغْنياً. وتعدَّىٰ الفعلُ هنا إلى ضميرَيْه المتصلَيْن؛ لأنَّ هذا مِنْ خواصِّ هذا البابِ. قال الزمخشري: " ومعنى الرؤيةِ العِلْمُ لو كانَتْ بمعنى الإِبصارِ لامتنعَ في فِعْلِها الجمعُ بين الضميرَيْن، و " استغنىٰ " هو المفعول الثاني ". قلت: والمسألةُ فيها خلافٌ: ذهب جماعةٌ إلى أنَّ " رأىٰ " البَصَرية تُعْطي حُكْمَ العِلْمَّية، وجَعَل مِنْ ذلك قولَ عائشةَ - رضي اللَّهُ عنها - " لقد رَأَيْتُنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعامٌ إلاَّ الأسْوَدان " وأنشد:
4605ـ ولقد أَراني للرِّماح دَرِيْئَةً   مِنْ عَنْ يمين تارةً وأمامي
وتقدَّم تحقيقُه. وقرأ قنبل بخلافٍ عنه " رَأَه " دونَ ألفٍ بعد الهمزة وهو مقصورٌ مِنْ " رآه " في قراءةِ العامَّةِ، ولا شكَّ أنَّ الحَذْفَ في مثلِه جاء قليلاً كقولِهم: " اصابَ الناسَ جَهْدٌ، ولو تَرَ أهلَ مكةَ " بحَذْفِ لامِ " ترى " وقولِ الآخرِ:
4606ـ وَصَّانِيَ العَجَّاجُ فيما وَصَّني   
يريد: وصَّاني ولَمَّا روَىٰ ابن مجاهد هذه القراءةَ عن قنبل وقال: " قرأتُ بها عليه " نَسَبه فيها إلى الغلظ. ولا يَنْبغي ذلك لأنه إذا ثبتَتْ قراءةً ولها وجهٌ وإنْ كان غيرُه أشهرَ منه فلا يَنْبغي أَنْ يُقْدِمَ على تَغْليِطِه.