الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً }

{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } أي: من سعة ماله وغناه على امرأته البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي: ضيق عليه { فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ } أي: على قدر ماله وطاقته { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } يعني: وسعها وطاقتها، فلا يكلف الفقير نفقة الغني، ولا أحداً إلا فرضه الذي وجب عليه { سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أي: سيؤتي المقل بعد ضيق فرجاً، وبعد فقر غنى، تسلية للمعسرين من فقراء الأزواج، وتصبير لمطلقاتهم، وتطييب لقلوب الجميع، وتبشر عام.

تنبيه

في (الإكليل): فيه أن النفقة يراعى فيها حال المنفق يساراً وإعساراً، وإن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر، لا حال المنفق عليه. واستدل بقوله: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } من قال: لا فسخ بالعجز عن الإنفاق على الزوجة. وفي الآية استحباب مراعاة الإنسان نفسه في النفقة والصدقة. ففي الحديث: " إن المؤمن أخذ عن الله أدباً حسناً: إذا هو وسع عليه وسع، وإذا هو قتر عليه قتر ".

روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب سأل عن أبي عبيدة فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول: انظر ماذا يصنع إذا هو أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال رحمه الله: تأول هذه الآية { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ }.

ثم حذر تعالى من عصيانه وتعدي حدوده فيما شرعه، عناية بما مر من الأحكام، بقوله سبحانه: { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ... }.