الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

وَجه النَّظْمِ على الاحتمال الأول في الآية المتقدمة أن النصارى تمسكوا - في بعض شُبَهِهِمْ - بما جاء في القرآن من صفة عيسى عليه السلام أنه روحُ اللهِ وكلمتُه، فبَيَّن الله تعالى بهذه الآيةِ أن القرآن مشتمل على مُحْكَم ومتشابه، و التمسّك بالمتشابهاتِ غيرُ جائزٍ - هذا على الاحتمال الأول في الآيةِ المتقدمةِ، وعلى الثاني - أنه تعالى لما بين أنه قيوم، وهو القائم بمصالح الخلق، والمصالح قسمان: جسمانية، وروحانية، فالجسمانية أشرفها تعديل البنية على أحسن شكل، وهو المراد بقوله:هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ } [آل عمران: 6] وأما الروحانية فِأشرفُها العِلْمُ، وهو المراد بقوله: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ }.

قوله: { مِنْهُ آيَاتٌ } يجوز أن تكون " آيَاتٌ " رَفْعاً بالابتداء، والجار خبره، وفي الجملة على هذا وجهانِ:

أحدهما: أنها مستأنفة.

والثاني: أنها في محل نصب على الحال من " الْكِتَابِ " أي: هو الذي أنزل الكتاب في هذه الحال، أي: منقسماً إلى محكم ومتشابهٍ.

ويجوز أن يكون " منه " هو الحال - وحده - وآيات: رفع [به] - على الفاعلية.

و { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } يجوز أن تكون الجملةُ صفةٌ للنَّكِرَةِ قَبْلَهَا، ويجوز أن تكونَ مستأنفةً.

وأخْبَرَ بلفظ الواحد " أمُّ " عن جمع " هُنَّ " إمَّا لأن المرادَ أن كل واحدةٍ منه أمٌّ، وإمَّا لأن المجموعَ بمنزلة آية واحدةٍ، كقوله:وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [المؤمنون: 50]، وإما لأنه مفرد واقع موقع الجمع، كقوله:وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ } [البقرة: 7].

وقوله: [الوافر]
1322 - كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا   ..............................
وقوله: [الطويل]
1323 - بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأمَّا عِظَامُهَا   فَبِيضٌ وَأمّا جِلدُهَا فَصَلِيبُ
وقال الأخفش: وَحَّد " أمُّ الْكِتَابِ " بالحكاية على تقدير الجواب، كأنه قيل: ما أمُّ الكتاب؟ فقال: هن أم الكتاب، كما يقال: مَن نظيرُ زَيْدٍ؟ فيقول قوم: نحن نظيره، كأنهم حكوا ذلك اللفظ، وهذا على قولهم: دعني من تمرتان، أي: مما يُقَال له: تمرتان.

قال ابنُ الأنباري: " وهذا بعيد من الصواب في الآية؛ لأن الإضمار لم يقم عليه دليل، ولم تدع إليه حاجةٌ ".

وقيل: لأنه بمعنى أصْل الكتاب، والأصْل يُوَحَّد.

قوله: " وأُخَر " نسق على " آيات " و " متشابهات " نعت لـ " أخر " ، وفي الحقيقة " أخر " نعت لمحذوف تقديره: وآيات أخر متشابهات.

قال أبو البقاء: فإن قيل: واحدة [متشابهات: متشابهة، وواحدة أخر: أخرى، والواحد هنا - لا يصح أن يُوصَف بهذا الواحد -، فلا يقال: أخرى متشابهة]، إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضاً، وليس المعنى على ذلك، إنما المعنى أن كل آية تشبه آيةٌ أخرى، فكيف صح وصف هذا الجمع بهذا الجمع ولم يصح وصْف مفردِه بمفردِه؟

قيل: التشابهُ لا يكون إلا بين اثنين فصاعداً، فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كل واحدٍ منها مشابهاً للآخر، فلما لم يصح التشابه إلا في حالةِ الاجتماعِ وُصِفَ الجمعُ بالجمعِ؛ لأن كل واحد منها يشابه باقيها، فأما الواحد فلا يصح فيه هذا المعنى، ونظيره قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10