الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً }. جمهور العلماء على أن المراد بالسكر في هذه الآية الكريمة الخمر، لأن العرب تطلق اسم السكر على ما يحصل به السكر، من إطلاق المصدر وإرادة الاسم. والعرب تقول سكر " بالكسر " سكراً " بفتحتين " وسكراً " بضم فسكون ". وقال الزمخشري في الكشاف والسكر الخمر. سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً، نحو رشد رشداً ورشداً. قال
وجاءونا بهم سكر علينا فأجلى اليوم والسكران صاحي - أهـ   
ومن إطلاق السكر على الخمر قول الشاعر
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم إذا جرى فيهم المزاء والسكر   
وممن قال بأن السكر في الآية الخمر ابن عباس، و ابن مسعود، وابن عمر، وأبو رزين، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، والكلبي، وابن جبير، وأبو ثور، وغيرهم. وقيل السكر الخل. وقيل الطعم وقيل العصير الحلو. وإذا عرفت أن الصحيح هو مذهب الجمهور، وأن الله امتن على هذه الأمة بالخمر قبل تحريمها - فاعلم أن هذه الآية مكية، نزلت بعدها آيات مدنية بينت تحريم الخمر، وهي ثلاث آيات نزلت بعد هذه الآية الدالة على إباحة الخمر. الأولى - آية البقرة التي ذكر فيها بعض معائبها ومفاسدها، ولم يجزم فيها بالتحريم، وهي قوله تعالىيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } البقرة 219 وبعد نزولها تركها قوم للإثم الذي فيها، وشربها آخرون للمنافع التي فيها. الثانية - آية النساء الدالة على تحريمها في أوقات الصلوات، دون الأوقات التي يصحو فيها الشارب قبل وقت الصلاة، كما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح، وما بين صلاة الصبح وصلاة الظهر، وهي قوله تعالىيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } النساء 43 الآية. الثالثة - آية المائدة الدالة على تحريمها تحريماً باتاً، وهي قوله تعالىيَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } المائدة 90 إلى قوله -فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } المائدة 91. وهذه الآية الكريمة تدل على تحريم الخمر أتم دلالة وأوضحها. لأنه تعالى صرح بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها أمراً جازماً في قوله { فاجتنبوه } واجتناب الشيء هو التباعد عنه، بأن تكون في غير الجانب الذي هو فيه. وعلق رجاء الفلاح على اجتنابها في قوله { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ويفهم منه - أنه من لم يجتنبها لم يفلح، وهو كذلك. ثم بين بعض مفاسدها بقولهإِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } المائدة 91. ثم أكد النهي عنها بأن أورده بصيغة الاستفهام في قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فهو أبلغ في الزجر من صيغة الأمر التي هي " انتهوا " وقد تقرر في فن المعاني أن من معاني صيغة الاستفهام التي ترد لها الأمر.

السابقالتالي
2 3 4 5