الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً } نصب على المفعول الثاني. وفي المجعول نكالاً أقاويل قيل: العقوبة. وقيل: القرية إذ معنى الكلام يقتضيها. وقيل: الأمّة التي مُسِخت. وقيل: الحِيتان وفيه بُعْدٌ. والنّكال: الزجر والعقاب. والنِّكْل والأنكال: القيود. وسُمِّيت القيود أنكالاً لأنها يُنْكل بها أي يمنع. ويقال للجام الثقيل: نَكْل ونِكْل لأن الدابة تُمنع به. ونَكَل عن الأمر يَنْكُل، ونَكِل يَنْكَل إذا ٱمتنع. والتّنكيل: إصابة الأعداء بعقوبة تُنَكِّل مَن وراءهم أي تُجَبِّنهم. وقال الأزهري: النكال العقوبة. ٱبن دُرَيْد: والمَنْكَل: الشيء الذي يُنَكّل بالإنسان قال:
فٱرمِ على أقفائهم بمَنْكَل   
قوله: { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } قال ٱبن عباس والسُّدّي: لِمَا بين يدي المَسْخة ما قبلها من ذنوب القوم. { وَمَا خَلْفَهَا } لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب. قال الفرّاء: جُعلت المسخة نكالاً لما مضى من الذنوب ولمَا يُعمل بعدها ليخافوا المسخ بذنوبهم. قال ٱبن عطية: وهذا قول جيّد، والضميران للعقوبة. وروى الحكم عن مجاهد عن ٱبن عباس: لمن حضر معهم ولمن يأتي بعدهم. وٱختاره النحاس قال: وهو أشبه بالمعنى، والله أعلم. وعن ٱبن عباس أيضاً: { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } من القُرَى. وقال قتادة: { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } من ذنوبهم، «وما خلفها» من صيد الحيتان. قوله تعالى: { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } عطف على نكال، ووَزْنُهَا مَفْعِلة من الاتعاظ والانزجار. والوعظ: التخويف. والعِظَة الاسم. قال الخليل: الوَعْظ التّذكير بالخير فيما يَرِقّ له القلب. قال الماوَرْدِيّ: وخصّ المتقين وإن كانت موعظة للعالمين لتفرّدهم بها عن الكافرين المعاندين. قال ابن عطية: واللفظ يعمّ كل مُتّقٍ من كل أمّة. وقال الزجاج: { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن ينتهكوا مِن حُرَم الله جلّ وعَزّ ما نهاهم عنه، فيصيبهم ما أصاب أصحاب السبت إذ ٱنتهكوا حُرَم الله في سَبْتهم.