الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ }

{ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب فعلت أو لم أفعل. واعترض ذلك الخطيب بأنه يجوز أن يكون الاستفهام على أصله إذ ليس في السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأنه عليه السلام هو الذي كسر الأصنام حتى يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام. وأجيب عليه بأنه يدل عليه ما قبل الآية وهو أنه عليه السلام قد حلف بقولهتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } [الأنبياء: 57] الخ ثم لما رأوا كسر الأصنام قالوامَن فَعَلَ هَـٰذَا } [الأنبياء: 59] الخ فالظاهر أنهم قد علموا ذلك من حلفه وذمه الأصنام. ولقائل أن يقول: إن الحلف كما قاله كثير كان سراً أو سمعه رجل واحد، وقوله سبحانه:قَالُواْ سَمِعْنَا } [الأنبياء: 60] الخ مع قوله تعالى:قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا } [الأنبياء: 59] الخ يدل على أن منهم من لا يعلم كونه عليه السلام هو الذي كسر الأصنام فلا يبعد أن يكونأانت فَعَلْتَ هَـٰذَا } [الأنبياء: 62] كلام ذلك البعض. وقد يقال: إنهم بعد المفاوضة في أمر الأصنام وإخبار البعض البعض بما يقنعه بأنه عليه السلام هو الذي كسرها تيقنوا كلهم أنه الكاسر / فأأنت فعلت ممن صدر للتقرير بالفاعل.

وقد سلك عليه السلام في الجواب مسلكاً تعريضياً يؤدي به إلى مقصده الذي هو إلزامهم الحجة على ألطف وجه وأحسنه يحملهم على التأمل في شأن آلهتهم مع ما فيه من التوقي من الكذب فقد أبرز الكبير قولاً في معرض المباشر للفعل بإسناده إليه كما أبرزه في ذلك المعرض فعلاً بجعل الفأس في عنقه أو في يده وقد قصد إسناده إليه بطريق التسبب حيث رأى تعظيمهم إياه أشد من تعظيمهم لسائر ما معه من الأصنام المصطفة المرتبة للعبادة من دون الله تعالى فغضب لذلك زيادة الغضب فأسند الفعل إليه إسناداً مجازياً عقلياً باعتبار أنه الحامل عليه والأصل فعلته لزيادة غضبـي من زيادة تعظيم هذا، وإنما لم يكسره وإن كان مقتضى غضبه ذلك لتظهر الحجة، وتسمية ذلك كذباً كما ورد في الحديث الصحيح من باب المجاز لما أن المعاريض تشبه صورتها صورته فبطل الاحتجاج بما ذكر على عدم عصمة الأنبياء عليهم السلام، وقيل في توجيه ذلك أيضاً: إنه حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه يعني أنهم لما ذهبوا إلى أنه أعظم الآلهة فعظم ألوهيته يقتضي أن لا يعبد غيره معه ويقتضي إفناء من شاركه في ذلك فكأنه قيل فعله هذا الكبير على مقتضى مذهبكم والقضية ممكنة.

ويحكى أنه عليه السلام قال: فعله كبيرهم هذا غضب أن يعبد معه هذه وهو أكبر منها، قيل: فيكون حينئذٍ تمثيلاً أراد به عليه السلام تنبيههم على غضب الله تعالى عليهم لإشراكهم بعبادته الأصنام، وقيل إنه عليه السلام لم يقصد بذلك إلا إثبات الفعل لنفسه على الوجه الأبلغ مضمناً فيه الاستهزاء والتضليل كما إذا قال لك أمي فيما كتبته بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط: أأنت كتبت هذا؟ فقلت له: بل كتبته أنت فإنك لم تقصد نفيه عن نفسك وإثباته للأمي وإنما قصدت إثباته وتقريره لنفسك مع الاستهزاء بمخاطبك.

السابقالتالي
2