الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً }

قد قدمنا كلام أهل العلم في معنى تبارك في أول هذه السورة الكريمة.

والبروج في اللغة: القصور العالية، ومنه قوله تعالى:وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [النساء: 78].

واختلف العلماء في المراد بالبروج في الآية، فقال بعضهم: هي الكواكب العظام. قال ابن كثير: وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي صالح، والحسن، وقتادة، ثم قال: وقيل هي قصور في السماء للحرس. ويروى هذا عن علي، وابن عباس، ومحمد بن كعب، وإبراهيم النخعي، وسليمان بن مهران الأعمش، وهو رواية عن أبي صالح أيضاً، والقول الأول أظهر اللهم إلا أن تكون الكواكب العظام، هي قصور للحرس فيجتمع القولان، كما قال تعالى:وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [تبارك: 5] اهـ. محل الغرض من كلام ابن كثير.

وقال الزمخشري في الكشاف: البروج منازل الكواكب السبعة السيارة الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس والجدي، والدلو والحوت، سميت البروج التي هي القصور العالية، لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها، واشتقاق البرج من التبرج لظهوره. اهـ منه.

وما ذكره جل وعلا هنا من أنه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وهو الشمس، وقمراً منيراً، بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى:وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [الحجر: 16] وقوله تعالى:وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج: 1] وقوله تعالى:وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } [النبأ: 13] وقوله تعالى:أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [نوح: 15ـ 16] وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير حمزة والكسائي: وجعل فيها سراجاً بكسر السين وفتح الراء بعدها ألف على الإفراد، وقرأه حمزة والكسائي: سرجاً بضم السين، والراء جمع سراج، فعلى قراءة الجمهور بإفراد السراج فالمراد به الشمس، بدليل قوله تعالى: { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } وعلى قراءة حمزة والكسائي بالجمع. فالمراد بالسرج الشمس، والكواكب العظام.

وقد قدمنا في سورة الحجر أن ظاهر القرآن أن القمر في السماء المبنية لا السماء التي هي مطلق ما علاك، لأن الله بين في سورة الحجر، أن السماء التي جعل فيها البروج هي المحفوظة، والمحفوظة هي المبنية في قوله تعالى:وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [الذاريات: 47] وقوله:وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [النبأ: 12] وليست مطلق ما علاك، والبيان المذكور في سورة الحجر في قوله تعالى:وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 16ـ17] الآية. فآية الحجر هذه دالة على أن ذات البروج هي المبنية، المحفوظة لا مطلق ما علاك.

وإذا علمت ذلك فاعلم أنه جل وعلا في آية الفرقان هذه، بين أن القمر في السماء التي جعل فيها البروج، لأنه قال هنا: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } وذلك دليل على أنها ليست مطلق ما علاك، وهذا الظاهر لا ينبغي للمسلم العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2