الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }

{ وهُو القاهِرُ فَوقَ عِبادهِ } القاهر لخلقه بما شاء بعد وجودهم، والقاهر لهم بالإيجاد قيل الوجود، بمعنى أنهم لا متنازع لهم عن الوجود إذا أراده، وفوق حال مؤكدة لعاملها، لأن القاهر للشئ يكون فوقه بالشأن والعظمة، ويجوز أن يكون الحال غيره مؤكدة، لأن القاهر قد يكون خبيثاً لا شرف له، فتكون الحال مؤكدة، لأن القهر فى الجملة قد يكون بلا شرف.. وأريد بالفوقية عظمة الشأن والشرف، وزعم سلف الأشعرية أن الفوقية فى صفة الله يجب الإيمان بها، ويوكل علمها إلى الله ولا يؤولونها بعظمة الشأن، وذلك خطأ منهم، ثم إن القهر على أقسام منها قهر المخلوق على إيجاده بمعنى يوجده، ولا يتعاصى عن الوجود، وسواء للأجسام والأعراض، ولا جسم بلا عرض، ومنها قهر المخلوق على ما يكره، ولا يستطيع دفعه، ودخل فى القسم الأول فهو الظلمة بالنور، والفقر بالغنى، والضعف بالقوة، والمرض بالصحة، والليل بالنهار، ونحو ذلك من الأضداد والمتناقضات، كالذل بالعز، وعكوس ذلك، والحياة بالموت، والعدم بالوجود، ودخل قهر المتنافيات بالجمع كالروح مع البدن، فالبدن جسم يفسد لا يبقى، ليس فيه نور فهم ومعرفة، كثيف سفلى ظلمانى، ومع ذلك اجتمع مع الروح الذى ليس يفسد، وهو نورانى ذو فهم ومعرفة، لطيف وعلوى. { ويُرسل عَليْكم حَفظةً } ملائكة يحفظون أعمالكم وهم الكرام الكاتبونوإنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين } وحكمة إرسال الحفظة مع أن الله قادر على ابن آدم أن يحفظه عن الجن بدونهم، إظهار شرف بنى آدم على الجن والملائكة إذا استخدم لهم الملائكة، وحكمة إرسال الحفظة لحفظ الأعمال، مع أن الله عالم بها أن يستحى ابن آدم منهم، فلا يعصى الله، لأن الله قد أخبرنا أن معكم ملائكة يحفظون أعمالكم، ولو لم يرسل الملائكة لحفظ الأعمال لزدت يا ابن آدم جراءة على المعاصى.
لعلمك إن الله عاف وستار أقل عثراتى فابن يوسف معثار   
وأيضا إذ علمت أن أعمالك تكتب وتقرأ على رءوس الأشهاد قرب ما انزجرت، قيل مع كل إنسان ملكان كانت الحسنات عن يمينه إذا قعد أو قام، وكاتب السيئات عن يساره، وإن اضطجع فكاتب الحسنات عند رأسه، وكاتب السيئات عند رجليه، وإن مشى فكانت الحسنات أمامه وكاتب السيئات خلفه، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات، إذا فعل سيئة وأراد أن يكتبها قال له أمهل لعله يتوب، فيهمل خمس ساعات، وقيل سبعاً، وقيل تسعا. وعن ابن عباس رضى الله عنهما مع كل مؤمن خمسة من الحفظة واحد عن يمينه يكتب الحسنات، وواحد عن يساره يكتب السيئات، وواحد أمامه يلقنه الخيرات، وواحد خلفه يدفع عنه الآفات، وواحد على ناصيته يكتب صلاته على النبى صلى الله عليه وسلم ويبلغها إليه، وقيل مع كل مؤمن أربعة اثنان ليلا واثنان نهاراً وقيل ستون، وقيل مائة وستون، وقيل غير ذلك كما شهر فى شروح الحديث والفقه، يدفعون عنه الشياطين، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين.

السابقالتالي
2 3