الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }

يعني تعالى ذكره: فلـما بلغ موسى وفتاه مـجمع البحرين، كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله { مَـجْمَعَ بَـيْنِهِما } قال: بـين البحرين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وقوله: { نَسيا حُوَتهُما } يعنـي بقوله: نسيا: تركا، كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { نَسيَا حُوَتهُما } قال: أضلاه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: أضلاه. قال بعض أهل العربـية: إن الـحوت كان مع يوشع، وهو الذي نسيه، فأضيف النسيان إلـيهما، كما قال:يَخْرُجُ مِنْهُما اللُّؤْلُؤُ والـمَرْجانُ } وإنـما يخرج من الـملـح دون العذب. وإنـما جاز عندي أن يقال: { نَسِيا } لأنهما كانا جميعا تزوّداه لسفرهما، فكان حمل أحدهما ذلك مضافـاً إلـى أنه حمل منهما، كما يقال: خرج القوم من موضع كذا، وحملوا معهم كذا من الزاد، وإنـما حمله أحدهما ولكنه لـما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلـى جميعهم، فكذلك إذا نسيه حامله فـي موضع قـيـل: نسي القوم زادهم، فأضيف ذلك إلـى الـجميع بنسيان حامله ذلك، فـيجرى الكلام علـى الـجميع، والفعل من واحد، فكذلك ذلك فـي قوله: { نَسِيا حُوَتُهما } لأن الله عزّ ذكره خاطب العرب بلغتها، وما يتعارفونه بـينهم من الكلام. وأما قوله:يَخْرُجُ مِنْهُما اللُّؤلُؤُ والمَرْجانُ } فإن القول فـي ذلك عندنا بخلاف ما قال فـيه، وسنبـينه إن شاء الله تعالـى إذا انتهينا إلـيه. وأما قوله: { فـاتَّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـاً } فإنه يعنـي أن الـحوت اتـخذ طريقه الذي سلكه فـي البحر سربـاً، كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد { فـاتَّـخَذَ سَبِـيـلَهُ فِـي البَحْرِ سَرَبـاً } قال: الـحوت اتـخذ. ويعنـي بـالسرب: الـمسلك والـمذهب، يسرب فـيه: يذهب فـيه ويسلكه. ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة اتـخاذه سبـيـله فـي البحر سربـاً، فقال بعضهم: صار طريقه الذي يسلك فـيه كالـحجر. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس، قوله { سَرَبـاً } قال: أثره كأنه حجر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبـيد الله بن عبد الله عن ابن عبـاس، عن أبـيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك: " ما انْـجابَ ماءٌ مُنْذُ كانَ النِّاسُ غيرُهُ ثَبَتَ مَكانُ الـحُوتِ الَّذِي فِـيهِ فـانْـجابَ كالكُوّةِ حتـى رَجَعَ إلَـيْهِ مُوسَى، فَرأى مَسْلَكَهُ، فقالَ: ذلكَ ما كُنَّا نَبْغي "

السابقالتالي
2