الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } أي نوعاً من النار { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب، ووقاية النفس عن النار بترك المعاصي وفعل الطاعات، ووقاية الأهل بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب، وروي " أن عمر قال حين نزلت: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تنهوهن عما نهاكم الله عنه وتأمروهن بما أمركم الله به فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار " وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم. والمراد بالأهل على ما قيل: ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة.

واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه، وفي الحديث " رحم الله رجلاً قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة " ، وقيل: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله.

وقرىء ـ وأهلوكم ـ بالواو وهو عطف على الضمير في { قُواْ } وحسن العطف للفصل بالمفعول، والتقدير عند بعض: وليق أهلوكم أنفسهم ولم يرتضه الزمخشري، وذكر ما حاصله أن الأصل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم وأنفسهم بأن يقي ويحفظ كل منكم ومنهم نفسه عما يوبقها، فقدم أنفسكم، وجعل الضمير المضاف إليه الأنفس مشتملاً على الأهلين تغليباً فشملهم الخطاب، وكذا اعتبر التغليب في { قُواْ } ، وفيه / تقليل للحذف وإيثار العطف المفرد الذي هو الأصل والتغليب الذي نكتته الدلالة على الأصالة والتبعية. وقرأ الحسن ومجاهد { وقودها } بضم الواو أي ذو وقودها، وتمام الكلام في هذه الآية يعلم مما مر في سورة البقرة { عَلَيْهَا مَلَٰئِكَةٌ } أي إنهم موكلون عليها يلون أمرها وتعذيب أهلها وهم الزبانية التسعة عشر قيل: وأعوانهم { غِلاَظٌ شِدَادٌ } غلاظ الأقوال شداد الأفعال، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة، أخرج عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» عن أبـي عمران الجوني قال: بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكبـي أحدهم مسيرة مائة خريف ليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحناً من لدن قرنه إلى قدمه.

{ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } صفة أخرى ـ لملائكة ـ و { مَا } في محل النصب على البدل أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره تعالى كقوله تعالى:أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } [طه: 93] أو على إسقاط الجار أي لا يعصون فيما أمرهم به { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي الذي يأمرهم عز وجل به.

السابقالتالي
2