الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ } هذه الجملة وما ألحق بها من الجمل إلى قولهوكأيّن من قرية عتت } الطلاق 8 الخ تشريع مستأنف فيه بيان لما أُجمل في الآيات السابقة من قولهلا تخرجوهن من بيوتهن } الطلاق 1 وقولهأو فارقوهن بمعروف } الطلاق 2، وقولهوأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق 4 فتتنزّل هذه الجمل من اللاتي قبلها منزلة البيان لبعض، ويدل الاشتمال لبعض وكل ذلك مقتضى للفصل. وابتدىء ببيان ما فيلا تخرجوهن من بيوتهن } الطلاق 1 من إجمال. والضمير المنصوب في { أسكنوهن } عائد إلى النساء المطلقات في قولهإذا طلقتم } الطلاق 1. وليس فيما تقدم من الكلام ما يصلح لأن يعود عليه هذا الضمير إلا لفظ النساء وإلاّ لفظأولات الأحمال } الطلاق 4، ولكن لم يقل أحد بأن الإِسكان خاص بالمعتدّات الحوامل فإنه ينافي قوله تعالىلا تخرجوهن } الطلاق 1 فتعين عود الضمير إلى النساء المطلقات كلّهن، وبذلك يشْمل المطلقة الرجعية والبائنة والحامل، لما علمتَه في أول السورة من إرادة الرجعية والبائنة من لفظإذا طلقتم النساء } الطلاق 1. وجمهور أهل العلم قائلون بوجوب السكنى لهن جميعاً. قال أشهب قال مالك يَخرج عنها إذا طلقها وتبقى هي في المنزل. وروى ابن نافع قال مالك فأما التي لم تَبِنْ فإنها زوجة يتوارثان والسكنى لهن لازمة لأزواجهن اهـ. يريد أنها مستغنى عن أخذ حكم سكناها من هذه الآية. ولا يريد أنها مستثناة من حكم الآية. وقال قتادة وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وأحمد بن حنبل لا سكنى للمطلقة طلاقاً بائناً. ومتمسكهم في ذلك ما روته فاطمة بنت قَيس أن زوجها طلقها ثلاثاً وأن أخا زوجها منعها من السكنى والنفقة، وأنها رفعت أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها " إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة " وهو حديث غريب لم يعرفه أحد إلا من رواية فاطمة بنت قيس. ولم يقبله عُمر بن الخطاب فقال لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شُبّه عليها. وأنكرته عائشة على فاطمة بنت قيس فيما ذكرتْه من أنه أذن لها في الانتقال إلى مكان غير الذي طلقت فيه كما تقدم. وروي أن عمر " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للمطلقة البائنة سكنى " ورووا أن قتادة وابن أبي ليلى أخذا بقوله تعالىلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } الطلاق 1 إذ الأمر هو المراجعة، فقصَرا الطلاق في قولهإذا طلقتم النساء } الطلاق 1، على الطلاق الرجعي لأن البائن لا تترقب بعده مراجعة وسبقها إلى هذا المأخذ فاطمة بنت قيس المذكورة. روى مسلم أن مروان بن الحكم أرسل إلى فاطمة بنت قيس يسألها عن الحديث فحدثته فقال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من المرأة سنأخذ بالعصْمة التي وجدنا عليها الناس فبلغ قولُ مروان فاطمة بنت قيس فقالت «بيني وبينكم القرآن، قال الله عزّ وجل

السابقالتالي
2 3 4