الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ }

و " الدفق ": صبّ فيه دفع. ومعنى الدافِق: إمّا المدفوق، كعيشة راضية - بمعنى مرضيّة -، والغرض فيه الانتساب إلى الدفق الذي هو مصدر؛ لا قيام المصدر به كالحدّاد والمشمَّس. وإمّا الإسناد المجازي، لأنّ الدفق للمني كالقطع لصاحب السكّين، قال الفرّاء: وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم، نحو: سرٌّ كاتم، و: هَمٌّ ناصب. و: ليلٌ نائم.

وإنّما قيل: " مِنْ مَاءٍ " ولم يقل: من ماءين، مع أنّ أصل المولود منهما جميعا، لامتزاجهما واتّصالهما ماء واحداً في الرحم حين ابتداء الخلقة.

وأمّا قول بعض الأطبّاء، إنّ ماء المرأة هو الأصل كاللبن، وماء الرجل للانعقاد كالأنْفِحة، فهو قول مرجوح لا يُصار إليه، على أنّ الدفق لا يلائمه، بل الحمل على منيّ الرجل أوْلى، لأنّه كالصورة للمركّب، ومنّي المرأة كالمادّة له، والشيء بالصورة هو بالفعل، وبالمادّة هو بالقوّة، أوَلاَ ترى أنّ نسبة المولود إلى الأب أوْكَدُ من نسبته إلى الأمّ.

يَخْرُجُ - من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي عظام الصدر، و " الصُلْب " فيه لغات أربع: بفتحتين، وبضمّتين، وبالضمّ والسكون، وبصيغة الفاعل.

وفي الكشّاف: قيل: العظم والعصب من الرجل، واللحم والدم من المرأة.

وهذا أيضاً مؤكّداً لما مرّ من كون منّي الرجل هو الأصل، إذ قد ثبت أنّ مثل العظم والعصب من الأعضاء الأصليّة متكوّنة من المنيّ، والزائدة كاللحم وغيره متكوّنة من الغذاء.

فإن قلت: إنّ النطفة متكوّنة من فضلة الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتّى تستعدّ أن تتولّد منها تلك الأعضاء، فلِم قال: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } التي هي عظام الصدر؟

قلت: اختلف الحكماء والأطبّاء في انفصال المني عن جميع الأعضاء أو عن الأنثيين فقط، وفي كون المني متشابه الأجزاء أو مختلف الأجزاء، فأرسطو وشيعته ذهبوا إلى تشابه الأجزاء لانفصاله من الأنثيين، وذهب أبقراط وشيعته إلى أنّه ليس متشابه الأجزاء، لأنّه يخرج من كلّ البدن، فيخرج من اللحم شبيه به، ومن العظم شبيه به، وهكذا في جميع الأجزاء، فأجزاؤه غير متشابهة الحقيقة، بل حقائقها متخالفة حسب اختلاف حقائق ما ينفصل عنها، فهو غير متشابه الأمشاج، بل متاشبه الامتزاج متّصل عند الحسّ.

ولكلّ من الطرفين حجج كثيرة مسطورة في كتب الطبّ.

أمّا ما تمسّك به أبقراط في تصحيح مذهبه.

فمنها: عموم اللذّة لجميع البدن.

ومنها: المشاكلة الكليّة، فلولا أنّ كلّ عضو يرسل قسطاً لكانت المشاكلة بحسب عضو واحد.

ومنها: مشاكلة عضو الولد لعضو ناقص من والديه، أو عضو ذي شامة أو زيادة.

وقدح أرسطو في هذا المذهب وأبطله بوجوه:

أحدها: أن المشابهة تقع في الظفر والشعر وليس يخرج منهما شيء.

السابقالتالي
2 3