الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما ذكر خاصة عباده، وخلاصة أوليائه بصفاتهم التي أهلتهم للهدى والفلاح، عقبهم بأضدادهم العتاة المردة، الذين لا ينفع فيهم الهدى ولا تغني عنهم الآيات والنذر، ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين كما عطف في قوله تعالى:إِنَّ ٱلاْبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ } [الإنفطار: 13-14] لتباينهما في الغرض، فإن الأولى سيقت لذكر الكتاب وبيان شأنه والأخرى مسوقة لشرح تمردهم، وانهماكهم في الضلال، و (إن) من الحروف التي تشابه الفعل في عدد الحروف والبناء على الفتح ولزوم الأسماء وإعطاء معانيه، والمتعدي خاصة في دخولها على اسمين. ولذلك أعملت عمله الفرعي وهو نصب الجزء الأول ورفع الثاني إيذاناً بأنه فرع في العمل دخيل فيه.

وقال الكوفيون: الخبر قبل دخولها كان مرفوعاً بالخبرية، وهي بعد باقية مقتضية للرفع قضية للاستصحاب فلا يرفعه الحرف. وأجيب بأن اقتضاء الخبرية الرفع مشروط بالتجرد لتخلفه عنها في خبر كان، وقد زال بدخولها فتعين إعمال الحرف. وفائدتها تأكيد النسبة وتحقيقها، ولذلك يُتَلَقَّى بها القَسَم ويصدر بها الأجوبة، وتذكر في معرض الشك مثل قوله تعالى:وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ } [الكهف: 83-84]،وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنَ إِنّى رَسُولٌ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الأعراف: 104] قال المبرد: " قولك: عبد الله قائم، إخبار عن قيامه، وإن عبد الله قائم، جواب سائل عن قيامه، وإن عبد الله لقائم، جواب منكر لقيامه ". وتعريف الموصول: إما للعهد، والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب، وأبي جهل، والوليد بن المغيرة، وأحبار اليهود. أو للجنس، متناولاً من صمم على الكفر، وغيرهم. فخص منهم غير المصرين بما أسند إليه. والكفر لغة: ستر النعمة، وأصله الكَفْر بالفتح وهو الستر، ومنه قيل للزارع ولليل كافر، ولكمام الثمرة كافور. وفي الشرع: إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم به، وإنما عُدَّ لبس الغيار وشد الزنار ونحوهما كفراً لأنها تدل على التكذيب، فإن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجترىء عليها ظاهراً لا أنها كفر في أنفسها.

واحتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي على حدوثه لاستدعائه سابقة المخبر عنه، وأجيب بأنه مقتضى التعلق وحدوثه لا يستلزم حدوث الكلام كما في العلم.

{ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ } خبر إن وسواء اسم بمعنى الاستواء، نعت به كما نعت بالمصادر قال الله تعالى:تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [آل عمرآن: 64] رفع بأنه خبر إن وما بعده مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل: إن الذين كفروا مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه، أو بأنه خبر لما بعده بمعنى: إنذارك وعدمه سيان عليهم، والفعل إنما يمتنع الإخبار عنه إذا أريد به تمام ما وضع له، أما لو أطلق وأريد به اللفظ، أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمناً على الاتساع فهو كالاسم في الإضافة، والإسناد إليه كقوله تعالى:

السابقالتالي
2