الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }

{ أُولَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } أي أولئك الآلهة الذين يدعونهم ويسمونهم آلهة أو يدعونهم وينادونهم لكشف الضر عنهم { يَبْتَغُونَ } يطلبون باجتهاد لأنفسهم { إِلَىٰ رَبّهِمُ } ومالك أمرهم { ٱلْوَسِيلَةَ } القربة بالطاعة والعبادة فضمير { يَدْعُونَ } للمشركين وضمير { يَبْتَغُونَ } للمشار إليهم، وقال ابن فورك: الضميران للمشار إليهم والمراد بهم الأنبياء الذين عبدوا من دون الله تعالى، ومفعول { يَدْعُونَ } محذوف أي يدعون الناس إلى الحق أو يدعون الله سبحانه ويتضرعون إليه جل وعلا، وعلى هذا لا يتعين كون المراد بهم الأنبياء عليهم السلام كما لا يخفى وهو كما ترى. وقرأ ابن مسعود وقتادة { تَدْعُونَ } بالتاء ثالثة الحروف؛ وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { يدعون } بالياء آخر الحروف مبنياً للمفعول، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه { إِلَىٰ ربك } بكاف الخطاب. واسم / الإشارة مبتدأ والموصول نعت أو بيان والخبر جملة { يَبْتَغُونَ } أو الموصول هو الخبر و { يَبْتَغُونَ } حال أو بدل من الصلة.

وقوله تعالى: { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } فيه وجوه من الإعراب فالزمخشري ذكر وجهين، الأول كون أي موصولة بدلاً من ضمير { يَبْتَغُونَ } بدل بعض من كل؛ وهي إما معربة أو مبنية على اختلاف الرأيين أي أولئك المعبودون يطلب من هو أقرب منهم الوسيلة إلى الله تعالى بطاعته فكيف بالأبعد وليس فيه إلا حذف صدر الصلة والتقدير أيهم هو أقرب وهو مما لا بأس. ولا ينافي ذلك جمع { يَرْجُونَ } و { يَخَافُونَ } فيما بعد لعدم اختصاص ما ذكر بالأقرب أو لكون الأقرب متعدداً. والثاني كون أي استفهامية وهي مبتدأ و { أَقْرَبُ } خبرها والجملة في محل نصب بيبتغون وضمن معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله تعالى وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، قيل واعتبر التضمين ليصح التعليق فإنه مختص بأفعال القلوب خلافاً ليونس.

وقال الطيبـي: لا بد من تقدير حرف الجر لأن حرص تتعدى بعلى كقوله تعالى:إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } [النحل: 37] ولا بد من تأويل الإنشاء بأن يقال يحرصون على ما يقال فيه أيهم أقرب إلى الله تعالى بسببه من الطاعة، ويتعلق حينئذٍ قوله تعالى: { إِلَىٰ رَبّهِمُ } بأقرب وهو كما ترى.

وقال صاحب «الكشف» في تحقيق هذا الوجه: إن المطالب إذا كانت مشتركة اقتضت التسارع إليها في العادة وهو نفس الحرص أو ما لا ينفك عنه فناسب أن يضمن الابتغاء معنى الحرص لا سيما وبعده استفهام لا يحسن موقعه دون تضمينه لأن قولك أيهم أقرب إلى فلان بكذا سؤال عن مميز أحدهم عن الباقين بما يتقرب به زيادة فضيلة مع الاستواء في أصل التقرب فإذا ورد استئنافاً بعد فعل صالح لأن يكون معلوله وجب تقديره ذلك لأنك إذا قلت هؤلاء يحرصون على الهدى كان كلاماً جارياً على الظاهر وإذا قلت هؤلاء يحرصون أيهم يكون أهدى أفاد أن حرصهم ذلك على الهدى مع مغالبة بعضهم بعضاً فيه فيكون أتم في وصفهم بالحرص عليه.

السابقالتالي
2