الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }

{ ان الذين كفروا بآياتنا } القرآن وسائر المعجزات { سوف } كلمة تذكر للتهديد والوعيد يقال سوف افعل وتذكر للوعد ايضا فتفيد التأكيد { نصليهم نارا } ندخلهم نارا عظيمة هائلة { كلما نضجت جلودهم } اى احترقت { بدلناهم جلودا غيرها } غير يذكر ويراد به الضد تقول الليل غير النهار وايضا يقال للمثل المتبدل تقول للماء الحار اذا برد هذا غيره وهو المراد هنا اى اعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وان كان عينه مادة. والحاصل انه يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك صغت من خاتمى خاتما غيره فالخاتم الثانى هو الاول وانما الصياغة اختلفت. فان قلت الجلود العاصية اذا احترقت فلو خلق الله تعالى مكانها جلودا اخرى وعذبها كان ذلك تعذيبا لمن لم يعص وهو غير جائز قلت العذاب للجلدة الحساسة وهى التى عصت لا للجلد مطلقا والذات واحدة فالعذاب لم يصل الا الى العاصى { ليذوقوا العذاب } اى ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز اعزك الله اى ادامك على عزك وزادك فيه. قال الحسن تأكلهم النار فى كل يوم سبعين مرة كلما اكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا ـ وروى ـ مرفوعا ان جلد الكافر اربعون ذراعا وضرسه مثل احد وشفته العليا تضرب سرته وبين لحمه وجلده ديدان كحمر الوحش تركض بين جلده ولحمه وحيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال وهذا ليس بزيادة تحلق وتعذب من غير معصية لكن اذا زيد ذلك ثقلة على العبد ويكون نفس الثقل عقوبة عليه كسائر عقوبات جهنم من السلاسل والاغلال والعقارب والحيات. فان قلت انما يقال فلان ذاق العذاب اذا ادرك شيئاً قليلا منه والله تعالى قد وصف انهم كانوا فى اشد العذاب فكيف يحسن ان يذكر بعد ذلك انهم ذاقوا العذاب قلت المقصود من ذكر الذوق الاخبار بان احساسهم بالعذاب فى كل مرة كاحساس الذائق بالمذوق من حيث انه لا يدخله نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق ودوام الملابسة ولعل السر فى تبديل الجلود مع قدرته تعالى على بقاء ادراك العذاب وذوقه بحاله مع الاحتراق او مع ابقاء ابدانهم على حالها مصونة عن الاحتراق ان النفس ربما تتوهم زوال الادراك بالاحتراق { ان الله كان عزيزا } لا يمتنع عليه شىء مما يريده بالمجرمين { حكيما } يعاقب من يعاقب على حكمته. اعلم ان هذا العذاب والتبديل الذى فى الآخرة كان حاصلا له فى الدنيا ولكن لم يكن يذوقه كالنائم يجرح نفسه بحديدة فى يده فتكون الجراحة حاصلة له فى الدنيا ولكن لم يذق ألمها حتى ينتبه فالناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا. فعلى العبد ان يعمل على وفق الشرع وخلاف النفس والهوى حتى يجعل الله تعالى باكسير الشرع نحاس الصفات الظلمانية النفسانية فضة الصفات النورانية الروحانية فاذا تخلص فى الدنيا من شوب المعصية باصلاح النفس والجريان على وفق الشرع لم يحتج فى الآخرة الى التهذيب والتنقيح بالنار ـ روى ـ ان اصحاب الكبائر من موحدى الامم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير تائبين ولا نادمين منهم من دخل النار فى الباب الاول فى جهنم حتى لا تزرق اعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون مع الشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران فى النار حرم الله تعالى اجسادهم ووجوههم على النار من اجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه النار الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى عنقه قدر ذنوبهم واعمالهم ثم ان منهم من يمكث فيها شهرا ومنها من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها واطولهم فيها مكثا كقدر الدنيا منذ خلقت الى يوم تفنى.

السابقالتالي
2