الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

كلمة { فَٱصْبِرْ } [غافر: 55] دليل على أنه صلى الله عليه وسلم خُوطب بها في مواطن شدَّة، هذه المواطن قال الله فيها:وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]. وقوله: { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } [غافر: 55] الوعد هو: الإخبار بالخير قبل أوانه، ووعد الله حق. يعني: متحقق لأن الوعد أنْ تعِدَ إنساناً وتُبشِّره بالخير والنعيم والسعادة، فهل تقدر وتضمن أن تفِيَ بوعدك؟ لا فربما تموت قبل أنْ يأتي أوانه، أو تضعف قدرتك التي تفعل بها فلا تستطيع، أما إذا جاء الوعد من القيوم القادر الذي لا يُعارَض، وهو سبحانه بَاقٍ لا يزول، فهو إذن وعد حَقٌّ لا بدَّ أنْ يتحقق. لذلك يُعلمنا الحق سبحانه ألاَّ نجزم بوعد، ولا تقوله بصورة القطع لأنك من الأغيار، يقول تعالى:وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 23-24]. فتعليق الوفاء على المشيئة يعفيك من الاتهام بالكذب لو لم تفعل فلو قلت أفعل كذا وكذا غداً، هل تملك أسباب الوفاء؟ هل تملك الزمن أو تضمن القوة الفاعلة؟ أبداً لا تضمن بقاء شيء من هذه الأسباب، إذن فَقُلْ: إنْ شاء الله ونزِّه نفسك عن الكذب لو لم تفعل. وقوله: { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [غافر: 55] يعني: اطلب المغفرة، وكلمة { لِذَنبِكَ } [غافر: 55] هل تعني أن الرسول فعل ذنباً؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يُوحَى إليه، وله رأي ببشريته في الأمور التي لم يأتِ فيها حكم من الله، حتى إنْ كان رأيُه صواباً فرأى الحق سبحانه أصوب. لذلك يصوب له ربه { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [غافر: 55] فمن أيِّ شيء يستغفر رسول الله؟ يستغفر الله من استبطاء النصر في قوله تعالى:حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } [البقرة: 214] فالنصر آتٍ، فلم استبطاؤه؟ لذلك وردتْ في القرآن آيات تثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل شيئاً يُعاتَب عليه، والحق سبحانه صحَّح له وصوَّب له فعله، لكن كيف جاء هذا العتاب؟ تأمل قوله تعالى:عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [التوبة: 43] فقبل أن يعاتبه قدَّم العفو عنه. لكن لماذا أذن الرسول لهؤلاء؟ قالوا: إن الذي شغل رسول الله في هذه المسألة أنه قال في نفسه أن الذي يطلب الإذن مني في ألاَّ يقاتل إما صادق العذر فلا مانع من الإذن له، وإما كاذب العذر وهذا لا خيرَ فيه، وعدمه أفضل من وجوده بين الصفوف، كما قال تعالى:لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } [التوبة: 47]. ثم إن هذا العتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }

السابقالتالي
2 3