الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

المعنى واذكروا يا بنى إسرائيل - لتنتفعوا وتعتبروا - وقت أن قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجى ربه بعيداً عنهم يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها إلى الحضيض بعبادتكم غير الله - تعالى - فإذا أردتم التكفير عن خطاياكم. فتوبوا إلى ربكم توبة صادقة نصوحاً، واقتلوا أنفسكم لتنالوا عفو ربكم، فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإِقامة على المعصية، ففعلتم ذلك فقبل الله توبتكم لأنه هو الذى يقبل التوبة عن عباده على كثرة ما يصدر عنهم من ذنوب لأنه هو الواسع الرحمة لمن ينيب إليه ويستقيم على صراطه الواضح. وفى نداء موسى - عليه السلام - لهم بقوله " يا قوم " تلطف فى الخطاب ليجذب قلوبهم إلى سماعه، وليحملهم على تلقى أوامره بحسن الطاعة، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه، والشأن فيمن كان كذلك ألا يكذب عليهم أو يخدعهم، وإنما يريد لهم الخير. والبارئ هو الخالق للمخلوقات بدون تفاوت أو اضطراب، فهو أخص من الخالق، ولذا قال تعالىهُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } وفى هذا التعبير الحكيم، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ الذى أحسن كل شىء خلقه، وفيه أيضاً تقريع لهم على غباوتهم، حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض، وعبدوا عجلا ضرب به المثل فى الغباوة فقالوا " أبلد من ثور " فكأنه - سبحانه - يقول لهم لقد اتخذتم هذا العجل إلهاً لتشابهكم معه فى البلادة وضيق الأفق. قال صاحب الكشاف " فإن قلت من أين اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ قلت البارئ هو الذى خلق الخلق بريئاً من التفاوت،مَّا تَرَىٰ فى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } ومتميزاً بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة، فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذى برأهم بلطف حكمته على الأشكال المختلفة، أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التى هى مثل فى الغباوة والبلادة، حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم، ونثر ما نظم من صورهم وأشكالهم، حين لم يشكروا النعمة فى ذلك، وغمطوها بعبادة ما لا يقدر على شىء منها " هـ. وقوله تعالى { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أمر من موسى - عليه السلام - لهم بقتلهم أنفسهم حتى تكون توبتهم مقبولة، وهذا الأمر بلغه موسى إياهم عن ربه، إذ مثل هذا الأمر لا يصدر إلا عن وحى لأنه تشريع من الله - تعالى -. والمراد بقتلهم أنفسهم أن يقتل من لم يعبد العجل منهم عابديه، فيكون المعنى ليقتل بعضكم بعضاً، كما فى قوله تعالىفَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً }

السابقالتالي
2 3