الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص ويعقوب يُغشّي بالتشديد وكذلك في الرعد والباقون بالتخفيف وقرأ ابن عامر والشمس والقمر والنجوم مسخرات كله بالرفع والباقون بالنصب. الحجة: قال أبو علي: غشى فعل متعد إلى مفعول واحد فإذا نقلته بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين وقد جاء التنزيل بالأمرين قال فَغشّاها ما غشى فما في موضع نصب بأنه المفعول الثاني وقالفأغشيناهم فهم لا يبصرون } [يس: 9] فهذا منقول بالهمزة والمفعول الثاني محذوف والمعنى فأغشيناهم العمى أو فقد الرؤية عنهم فإذا جاء التنزيل بالأمرين فكلا الفريقين قرأ بما جاء في التنزيل وقولـه { يغشي الليل } والنهار كل واحد من الليل والنهار منتصب بأنه مفعول به والفعل قبل النقل غشي الليل والنهار ولم يقل يغشي النهار الليل كما قالسرابيل تقيكم الحر } [النحل: 81] ولم يقل تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى ومثل هذا لا يضيق وحجة من نصب الشمس والقمر والنجوم له حمله على خلق كما قالواسجدوا لله الذي خلقهن } [فصلت: 37] وحجة ابن عامر قولـهوسخر لكم ما في السماوات والأرض } [لقمان: 20] وممّا في السماء الشمسُ والقمرُ فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنهما به كما أنك إذا قلت ضربت زيداً استقام أن تقول زيد مضروب. اللغة: قد بيَّنا معنى الاستواء في سورة البقرة عند قولـه { ثم استوى } إلى السماء والعرش السرير ومنه ولها عرش عظيم والعرش المُلك يقال ثُلّ عرشُه والعرش السقف ومنه قولـهفهي خاوية على عروشها } [مريم: 27] والحثيث السير السريع بالسوق وأصل البركة الثبات ومنه بَراكاء القتال. الإعراب: قولـه { حثيثاً } يجوز أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما جميعاً ومثله قولـهفأتت به قومها تحمله } [مريم: 27] فإن تحمله كذلك ومثله قول الشاعر:
مَتى ما تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُف   رَوانِــفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطارا
المعنى: لمّا ذكر سبحانه الكفار وعبادتهم غير الله سبحانه احتج عليهم بمقدوراته ومصنوعاته ودَلَّهم بذلك على أنه لا معبود سواه فقال مخاطباً لجميع الخلق { إن ربكم الله } أي إن سيّدكم ومالككم ومنشئكم ومُحدثكم هو الله { الذي خلق السماوات } أي أنشأ أعيانها وأبدعها لا مِن شيء ولا على مثال ثم أمسكها بلا عماد يدعمها. { والأرض } أي وأنشأ الأرض أوجدها كذلك { في ستة أيام } أي في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا ولا شبهة أنه سبحانه يقدر على خلق أمثال ذلك في لحظة ولكنه خلقهما في هذه المدة لمصلحة ورتبهما على أيام الأسبوع فابتدأ بالأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فاجتمع له الخلق يوم الجمعة فلذلك سُمّي الجمعة عن مجاهد. وقيل: إن ترتيب الحوادث على انشاء شيء بعد شيء على ترتيب أدلَّ على كون فاعله عالماً مدبراً يصرفه على اختياره ويجريه على مشيئته.

السابقالتالي
2