الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

" يا قوم " أعْلَمْ أن في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ستَّ لُغَات.

أفصحها: حذفها مجتزئاً عنها بالكَسْرَةِ، وهي لغة القرآن.

والثانية: ثبوت الياء ساكنة.

الثالثة: ثبوتها مفتوحة.

الرابعة: قلبها ألفاً.

الخامسة: حذف هذه الألف، والاجتزاء عنها بالفتحة؛ كقوله: [الوافر]
495ـ وَلَسْتُ بِرَاجِعِ مَا فَاتَ مَنِّي    بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَ أنِّي
أي يقول: يا لَهْفَا.

السَّادِسَةُ: بناء المضاف إليها على الضَّمّ تشبيهاً بالمفرد، نحو قراءة من قرأ:قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [الأنبياء:112].

قال بعضهم: لأن " يا قوم " في تقدير: يا أيها القوم والقوم: اسم جمع؛ لأنه دالّ على أكثر من اثنين، وليس له واحد من لفظه، ولا هو على صيغة مختصّة بالتكسير، ومُفْرَدُهُ " رَجُل " ، واشتقاقه من " قَامَ بالأَمْرِ يقومُ به " ، قال تعالى:ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } [النساء:34] والأصل في إطلاقه على الرجال؛ ولذلك قوبل بالنِّسَاء في قوله تعالى:لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } [الحجرات:11].

وقول زهير: [الوافر]
496ـ وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي    أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءَ
وأما قوله تعالى:كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } [الشعراء:105] وكَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } [الشعراء:106] والمكذبون رجال ونساء فإنما ذلك من باب التَّغْلِيب، ولا يجوز أن يطلق على النِّساء وحدهن ألبتة، وإن كانت عبادة بعضهم توهم ذلك.

فصل في نظم الآية

في قوله: " يا قوم " لطيفة، وهي أنه أضاف القوم إلى نفسه، وأضاف نفسه إليهم إضافة اختلاط، وامتزاج، فكأنه منهم [وهم] منه فَصَارَا كالجَسَدِ الواحد فهو مقيد لهم ما يريد لنفسه، وإنما يضرهم ما يضره وما ينفعهم ينفعه كقول القائل لغيره إذا نصحه: ما أُحِبُّ لك إلا ما أُحِبُّ لنفسي وذلك إشارة إلى اسْتِمَالَةِ قلوبهم إلى قَبُولِ دعواه، وطاعتهم له فيما أمرهم به، ونَهَاهُمْ عنه.

قوله تعالى: { بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ } الباء للسببية، متعلّقة بـ " ظلمتم " ، وقد تقدم الخلاف في مثل هذه لمادة.

و " العِجْل " مفعول أوّل، والثَّاني محذوف أي: إلهاً كما تقدم، والمصدر ـ هُنَا ـ مضاف للفاعل، وهو أحسن الوجهين، فإن المصدر إذا اجتمع فاعله ومفعوله فالأولى إضافته إلى الفاعل؛ لأنه رتبته التقديم، وهذا من الصور التي يجب فيها تقديم الفاعل.

وأماقَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } [الأنعام:137] فسيأتي إن شاء الله تعالى. وتقدّم الكلام في " العِجْل ".

قوله: { إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } متعلّق بـ " توبوا " ، والمشهور كسر الهمزة؛ لأنها حركة إعراب. وروي عن أبي عمرو ثلاثة أوجه أخر:

الاخْتِلاَس: وهو الإتيان بحركة خفية، والسكون المحض، وهذه قد طعن فيها جماعة من النحاة، ونسبوا راويها إلى الغَلَطِ على أبي عَمْرو.

السابقالتالي
2 3 4