الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في قوله { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } فقال بعضهم هو على إطلاقه في كل من هذه صفته. وقال آخرون: بل نزل في أهل الصفة الذين سأل المشركون الرسول عليه السلام طردهم وإبعادهم، فأكرمهم الله بهذا الإكرام. وذلك لأنه تعالى نهى الرسول عليه السلام أولاً عن طردهم، ثم أمره بأن يكرمهم بهذا النوع من الإكرام. قال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام ويقول: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأه بالسلام» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر لما اعتذر من مقالته واستغفر الله منها. وقال للرسول عليه السلام، ما أردت بذلك إلا الخير نزلت هذه الآية. وقال بعضهم: بل نزلت في قوم أقدموا على ذنوب، ثم جاؤه صلى الله عليه وسلم مظهرين للندامة والأسف، فنزلت هذه الآية فيهم والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها، فكل من آمن بالله دخل تحت هذا التشريف. ولي ههنا إشكال، وهو: أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه؟ المسألة الثانية: قوله: { وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } مشتمل على أسرار عالية، وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى، وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه، وآيات وحدانيته، وما سوى الله فلا نهاية له، وما لا نهاية له فلا سبيل للعقل في الوقوف عليه على التفصيل التام، إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسائح في تلك القفار، وكالسابح في تلك البحار. ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله. ثم إن العبد إذا صار موصوفاً بهذه الصفة فعند هذا أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } فيكون هذا التسليم بشارة لحصول السلامة. وقوله: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } بشارة لحصول الرحمة عقيب تلك السلامة. أما السلامة فالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخالفات وموضع التغييرات والتبديلات، وأما الكرامات فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات المقدسات، والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال. المسألة الثالثة: ذكر الزجاج عن المبرد. أن السلامة في اللغة أربعة أشياء، فمنها سلمت سلاماً وهو معنى الدعاء، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى، ومنها الإسلام، ومنها اسم للشجر العظيم، أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات، وهو أيضاً اسم للحجارة الصلبة، وذلك أيضاً لسلامتها من الرخاوة.

السابقالتالي
2 3 4