الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }

قوله تعالى: { فَتَرَى ٱلَّذِينَ }: الجمهورُ على " ترى " بتاء الخطاب، و " الذين " مفعول، فإن كانت الرؤيةُ بصريةً أو عُرْفانية - فيما نقله أبو البقاء وفيه نظرٌ - فتكونُ الجملةُ من " يُسارعون " في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصول، وإنْ كانت قلبية فيكون " يسارعون " مفعولاً ثانياً. وقرأ النخعي وابن وثاب: " فيَرى " بالياء وفيها تأويلان، أظهرُهما: أنَّ الفاعل ضميرٌ يعودُ على الله تعالى، وقيل: على الرأي من حيثُ هو، و " يُسارعون " بحالتِها، والثاني: أن الفاعل نفسُ الموصول والمفعول هو الجملةُ من قوله: { يُسَارِعُونَ } وذلك على تأويل حَذْفِ " أَنْ " المصدرية، والتقدير: ويرى القمُ الذين في قلوبهم مرض أَنْ يُسارعو، فلمَّا حُذِفَتْ " أَنْ " رُفِع كقوله:
1742- ألا أيُّهذا الزاجري أَحْضُرُ الوَغى   .....................
أجازَ ذلك ابن عطية إلا أنَّ هذا غيرُ مقيس، إذ لا تُحْذَف " أن " عند البصريين إلا في مواضعَ محفوظة. وقرأ قتادة والأعمش: " يُسْرِعون " من أسرع. و " يقولون " في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " يسارعون " ، و " نخشى " في محلِّ نصب بالقول، و " أن تصيبنَا " في محل نصب بالمفعول أي: نخشى إصابتَنا. والدائرة صفة غالبة لا يُذْكر موصوفُها، والأصل: داوِرَة، لأنها من دار يدور. قوله: { أَن يَأْتِيَ } في محلِّ نصب: إمَّا على الخبر لـ " عسى " وهو رأي الأخفش، / وإمَّا على أنها مفعولٌ به وهو رأيُ سيبويه لئلا يلزمَ الإِخبارُ عن الجثة بالحَدَث في قولك: " عسى زيدٌ أَنْ يقومَ " وأجاز أبو البقاء أن يكونَ " أن يأتي " في محلِّ رفعٍ على البدل من اسم " عسى " وفيه نظر.

قوله: { فَيُصْبِحُواْ } فيه وجهان، أظهرُهما: أنه منصوب عطفاً على " يأتِيَ " المنصوب بـ " أَنْ " والذي سَوَّغ ذلك وجودُ الفاءِ السببية، ولولاها لم يجز ذلك، لأن المعطوف على الخبر خبر، و " أن يأتي " خبر عسى وفيه راجعٌ عائدةٌ على اسمها، وقوله: { فَيُصْبِحُواْ } ليس فيه ضميرٌ يعود على اسمها فكان من حقِّ المسألةِ الامتناعُ لكنَّ الفاءَ للسببية، فَجَعَلَتْ الجمليتن كالجملة الواحدة وذلك جارٍ في الصلة نحو: " الذي يطير فيغضب زيدٌ الذبابُ " والصفةِ نحو: " مررت برجل يبكي فيضحكُ عمرو " والخبرِ نحو: " زيد يبكي فيضحك خالد " ولو كانَ العاطفُ غيرَ الفاء لم يَجُز ذلك: والثاني: أنه منصوبٌ بإضمار " أَنْ " بعد الفاء في جواب التمني قالوا: " لأنَّ عسى تمنٍّ وترجِّ في حق البشر " و " على ما أسَرُّوا " متعلق بـ " نادمين " ، و " نادمين " خبرُ " أصبح ".