الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ }؛ أي لَمَّا وجدَ عيسى، وقيل: لَمَّا عَلِمَ منهم الكفرَ والقصدَ إلى قتلِه؛ { قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }؛ أي مَن أعْوَانِي معَ اللهِ، وقيل: معناهُ: مَن أنصَاري إلى سبيلِ اللهِ، وقيل: مَن أنصاري للهِ، { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ }؛ أي قال المُخْلِصُونَ في النُّصرةِ والتَّصديقِ: نَحْنُ أعوانُ دِيْنِ اللهِ معكَ؛ { آمَنَّا بِٱللَّهِ }؛ أي صَدَّقْنَا بتوحيدِ الله؛ { وَٱشْهَدْ }؛ يَا عيسى؛ { بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }؛ والإحساسُ هو العلم من خَلجَاتِهم.

واختلفَ المفسَِّرونَ في الحواريِّين، قال بعضُهم: هم المخلصونَ الخواصُّ كما قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الزُّبَيرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَواريِّي مِنْ أُمَّتي " أي هو مِنْ أمَّتِي، وكان الحواريونَ لعيسى اثْنَى عشرَ رَجُلاً مِن أصحابهِ، مكانَ العشرةِ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، سُمُّوا الحواريينَ مِن الْحَوَر وَهُوَ الْخُلُوصُ. يقالُ: عَيْنٌ حَوراءُ إذا اشْتَدَّ بَيَاضُ بَيَاضِهَا وَقَلُصَ؛ وَاشْتَدَّ سَوَادُ سَوَادِهَا وَخَلُصَ، ومنهُ وفيهِ يقال: دَقِيْقٌ حَوَاريٌّ للَّذِي لم يبق منه إلاَّ لُبَابُهُ. وقال بعضُهم: سُمُّوا حواريين من الْحَوَار وهو البياضُ، إلاَّ أنَّهم اختلفُوا في بياضهم. قيلَ: كانوا قصَّاريْنَ يُبَيِّضُونَ الثيابَ فمرَّ بهم عيسى عليه السلام فقالَ: ألاَ أدُلُّكُمْ عَلَى تَطْهِيْرٍ أنْْفَعُ مِنْ هَذَا؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: تَعَالَواْ حَتَّى نُطَهِّرَ أنْفُسَنَا مِنَ الذُّنوب، فَبَايَعُوهُ على ذلكَ. وقيل: كانوا بيْضَ الثياب، وقيل: كانوا بيْضَ القلوب من الفسَاد.

وقال بعضُهم: كانوا صَيَّادِيْنَ، قال لَهم عيسى عليه السلام: ألاَ أدُلُّكم على اصطيادٍ أنفعُ مِن هذا؟ قالوا: بَلَى، قال: تعالَوا حتى نصطادَ أنفسَنا من شِرْكِ إبليسَ؛ فبايَعُوه.

كأنَّهم ذهبوا في هذا إلى اشتقاقهِ مِنَ الْحَوَر الذي هو الرُّجوع، ومنه سُمِّي الْمِحْوَرُ لأنه راجعٌ إلى المكانِ الذي زالَ منه، وقيل: لأنه بدورانهِ يَنْصَقِلُ حتى يَبْيَضَّ. والْمِحْوَرُ عودُ الْخَبَّاز، وقيل:َ الْمِحْوَرُ الذي تدورُ عليه البَكْرَةُ، وربَّما كان من حديدٍ.

وأمّا ما رُوي في الحديثِ: " نَعُوذُ باللهِ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الْكَوْر " فمعناهُ: مِن الرجوعِ والخروج من الجماعَة بعدَ أنْ كُنَّا فيها، يقال، كَارَ عِمَامَتَهُ إذا لفَّها على رأسهِ؛ وحَارَهَا: إذا نَقَضهَا.

قال مُصْعَبُ: (لَمَّا اتَّبَعَ الْحَوَاريُّونَ عِيْسَى عليه السلام وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، وَكَانُواْ إذا جَاعُواْ قَالُواْ: يَا رُوحَ اللهِ جُعْنَا، فَيَضْرِبُ بيَدِهِ الأَرْضَ سَهْلاً كَانَ أوْ جَبَلاً، فَيَخْرُجُ لِكُلِّ إنْسَانٍ رَغِيْفيْنِ فَيَأكُلُهُمَا. فَإذا عَطِشُوا قَالُواْ: يَا رُوحَ اللهِ عَطِشْنَا، فَيَضْرِبُ بيَدِهِ الأَرْضَ فَيَخْرُجُ الْمَاءُ فَيَشْرَبُونَ، قَالُواْ: يَا رُوحَ اللهِ؛ مَنْ أفْضَلُ مِنَّا إذا شِئْنَا أَطْعِمْنَا وَإنْ شِئْنَا أسْقِيْنَا، وَآمَنَّا بكَ وَاتَّبَعْنَاكَ؟ قال: أفْضَلُ مِنْكُمْ مَنْ يَعْمَلُ بيدِهِ، وَيَأَكُلُ مِنْ كَسْبهِ، قَالَ: فَصَارُواْ يَغْسِلُونَ الثِّيَابَ بالْكَرْيِ).

وقال ابنُ المبارك: (سُمُّوا حَوَارِيِّيْنَ لأنَّهُ كَانَ يُرَى بَيْنَ أعْيُنِهِمْ أثَرُ الْعِبَادَةِ وَنُورُهَا وَحُسْنُهَا). قال النضرُ بن شُمَيل: (الْحَوَاريُّ خَاصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي يَسْتَعِيْنُ بهِ فِيْمَا يَنُوبُهُ). وعن قتادةَ قال: (الْحَوَاريُّ: الْوَزيْرُ).