الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

{ قَالَ } أي موسى عليه السلام واستبد بالجواب من حيث أنه خص بالسؤال { رَبُّنَا } مبتدأ / وقوله تعالى: { ٱلَّذِى أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ } خبره، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا والموصول صفته، والظاهر أنه عليه السلام أراد بضمير المتكلم نفسه وأخاه عليهما السلام. وقال بعض المحققين: أراد جميع المخلوقات تحقيقاً للحق ورداً على اللعين كما يفصح عنه ما في حيز الصلة و { كُلّ شَىْء } مفعول أول لأعطى و { خَلْقَهُ } مفعوله الثاني وهو مصدر بمعنى اسم المفعول والضمير المجرور لشيء والعموم المستفاد من { كُلَّ } يعتبر بعد إرجاعه إليه لئلا يرد الاعتراض المشهور في مثل هذا التركيب، والظاهر أنه عموم الأفراد أي أعطى كل شيء من الأشياء الأمر الذي طلبه بلسان استعداده من الصورة والشكل والمنفعة والمضرة وغير ذلك أو الأمر اللائق بما نيط به من الخواص والمنافع المطابق له كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الابصار والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه، وقيل: الخلق باق على مصدريته بمعنى الإيجاد أي أعطى كل شيء الإيجاد الذي استعد له أو اللائق به بمعنى أنه تعالى أوجد كل شيء حسب استعداده أو على الوجه اللائق به وهو كما ترى.

وحمل بعضهم العموم على عموم الأنواع دون عموم الأفراد، وقيل: إن ذلك لئلا يلزم الخلف ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، والحق أن الله تعالى راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلاً ورحمة لا وجوباً وهذا مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة كما نقل صاحب «المواقف» و «عيون الجواهر» فكل شيء كامل في مرتبته حسن في حد ذاته فقد قال تعالى:ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 6-7] وجعل العموم في هذا عموم الأنواع مما لا يكاد يقول به أحد، وقال سبحانه:مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } [الملك: 3] أي من حيث إضافته إلى الرحمن وخلقه إياه على طبق الحكمة بمقتضى الجود والرحمة، والتفاوت بين الأشياء إنما هو إذا أضيف بعضها إلى بعض فالعدول عما هو الظاهر من عموم الأفراد إلى عموم الأنواع لما ذكر ناشيء من قلة التحقيق، وقيل: إن سبب العدول كون { أَعْطَىٰ } حقيقة في الماضي فلوحمل كل شيء على عموم الأفراد يلزم أن يكون جميعها قد وجد وأعطى مع أن منها بل أكثرها لم يوجد ولم يعط بعد بخلاف ما إذا حمل على عموم الأنواع فإنه لا محذور فيه إذ الأنواع جميعها قد وجد ولا يتجدد بعد ذلك نوع وإن كان ذلك ممكناً وفيه بحث ظاهر فليفهم.

السابقالتالي
2 3