الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

هذه هي النعمة الثانية من الله على بني إسرائيل، المذكورة في هذا الموضع.

قوله: { فَرَقْنَا } أي فَلقناه وفصَلنا بين أبعاضه حتّى حصلت فيه مسالك لكم، إذ الفَرْق هو الفصل بين شيئين إذا كانت بينهما فُرجة، والفِرْق: الطائفة من كلّ شيء ومن الماء إذا تفرّق بعضهُ عن بعض، فكلّ طائفة من ذلك فِرْقٌ. ومنه قوله تعالى:فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [الشعراء:63] وقُرئ: إذ فَرَّقْنَا - بالتشديد - قال ابن جني: فرَّقنا أشدّ تفريقاً ن فَرَقنا. فمعنان: شقَقنا بكم البحر، لأنّ المسالك كان إثنا عشر على عدد الأسباط.

وقوله: { بِكُمْ } الباء إمّا للسببية الفاعليّة، أي حصلت فيه فِرَقٌ، ومسالك بسلوكهم فيه كما يُفرق بين الشيئين بما توسّط بينهما، أو الغائيّة، أي بسبب إنجائكم ولأجله. أو للملابسة، ويكون في موضع الحال، أي فرقناه متلبّساً بكم، كقول الشاعر:
" تَدوسُ بنا الجَماجمَ والتريبا "   
أي: تدوسها ونحن راكِبوها.

والنجاة: ضد الغرق، كما أنّها ضدّ الهلاك. و " أغرق في الأمر " إذا جاوز الحدّ فيه.

والمراد من { آلَ فِرْعَوْنَ } هو وقومه، فاختصر لدلالة الكلام عليه، لأنّ الغرض مبنيٌّ على إهلاك فرعون وقومه، كقولك: " دخل جيشُ الأمير ". ويكون الظاهر أنَّه معهم. ويجوز أن يراد بآل فرعون شخصه، كقوله تعالى:آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ } [البقرة:248]. يعني موسى، وهارون.

وقوله: { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أي تشاهدون غرقَهم، وإطباق البحر عليهم. وهذا أبلغ في الشماتة، وإظهار المعجزة، أو انفلاق البحر عن طرُق يابسة مذلّلة. وقيل: جُثثهم التي قذَفها البحر إلى الساحل. وقيل: معناه ينظر بعضُكم بعضاً، بحدوث الكُوى والروازن في فِرَق البحر. وقيل معناه: وانتم بمشهد ومنظر منهم، حتّى لو نظرتم إليهم لأمكنكم ذلك. وهو قول الزجّاج.

ولا يخفى ضعفه، إذ لم يكن لأصحاب موسى (عليه السلام) ما يشغلهم عن الرؤية، فإنّهم قد جاوزوا البحر، وأقوال المفسّرين متظاهرة على أنّهم رأوا انفراق البحر، والتطام أمواجه بآل فرعون حتّى غرقوا. فلا وجْه للعدول عن الظاهر.

قصّة غرق فرعون

والقصّة - كما روي عن ابن عبّاس: إنّ الله تعالى أوحى إلى موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر. فسرى بهم ليلاً، فأتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث. وكان موسى في ستمأة ألف وعشرين ألفاً. فلمَّا عاينَهم فرعون قال:إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } [الشعراء:54 - 56].

فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجَموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دوابّ فرعون فقالوا: " يا موسىأُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } [الأعراف:129] هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه ".

فقال موسى (عليه السلام):عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6