الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }

وقوله تعالى: { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } بدل اشتمال منعَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } [العلق: 4] أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يخطر بباله وفي حذف المفعول أولاً وإيراده بعنوان عدم المعلومية ثانياً من الدلالة على كمال قدرته تعالى وكمال كرمه عز وجل والإشعار بأنه تعالى يعلمه عليه الصلاة والسلام من العلوم ما لا يحيط به العقول ما لا يخفى قاله في «الإرشاد».

وقدر بعضهم مفعول { عَلَّمَ } الخط وجعل { بِٱلْقَلَمِ } متعلقاً به وأيد بقراءة / ابن الزبير الذي (علم الخط بالقلم) حيث صرح فيها بذلك وقال الجبائي إنٱقْرَأْ } [العلق: 1] الأول أمر بالقراءة لنفسه وقيل مطلقاً والثاني أمر بالقراءة للتبليغ وقيل في الصلاة المشار إليها فيما بعد وجملة { وَرَبُّكَ } الخ تحتمل الحالية والاستئنافية وحاصل المعنى على إرادة القراءة للتبليغ في قول بلغ قومك وربك الأكرم الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ويقويك على حفظ القرآن لتبلغه وأولى الأوجه وأظهرها التأكيد وأبعد بعضهم جداً فزعم أن (بسم) في البسملة متعلق باقرأ الأول و { بِٱسْمِ رَبّكَ } متعلق باقرأ الثاني ليفيد التقديم اختصاص اسم الله تعالى بالابتداء وجوز أيضاً أن يبقى باسم الله على ما هو المشهور فيه و { ٱقْرَأْ } أمر بإحداث القراءة و { بِٱسْمِ رَبّكَ } متعلق باقرأ الثاني لذلك ولا يخفى أن الظاهر تعلق { بِٱسْمِ رَبّكَ } بما عنده وتقديم الفعل هٰهنا أوقع لأن السورة المذكورة على ما سبق من التصحيح أول سورة نزلت فالقراءة فيها أهم نظراً للمقام وقيل إنه لو سلم كون غيرها نازلاً قبلها لا يضر في حسن تقديم الفعل لأن المعنى كما سمعت عن قتادة اقرأ مفتتحاً باسم ربك أي قل باسم الله ثم اقرأ فلو افتتح بغير البسملة لم يكن ممتثلاً فضلاً عن أن يفتتح بما يضادها من أسماء الأصنام ولو قدم الجار أفاد معنى آخر وهو أن المطلوب عند القراءة أن يكون الافتتاح باسم الله تعالى لا باسم الأصنام ولا تكون القراءة في نفسها مطلوبة لما علم أن مقتضى التقديم أن يكون أصل الفعل مسلماً على ما هو عليه من زمان طلباً كان أو خبراً وأجاب من علق الجار بالثاني بأن مطلوبية القراءة في نفسها استفيدت من { ٱقْرَأْ } الأول فلا تغفل.

والظاهر أن المعلم بالقلم غير معين وقيل هو كل نبـي كتب وقال الضحاك هو إدريس عليه السلام وهو أول من خط وقال كعب هو آدم عليه السلام وهو أول من كتب وقد نسبوا لآدم وإدريس عليهما السلام نقوشاً مخصوصة في كتابة حروف الهجاء والذي يغلب على الظن عدم صحة ذلك وقد أدمج سبحانه وتعالى التنبيه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة ونيل الرتب الفخيمة ولولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره سبحانه دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به وقد قيل فيه:

السابقالتالي
2