الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ }

اللينة هنا، قيل اسم عام للنخل، وهذا اختيار ابن جرير.

وقيل: نوع خاص منه، وهو ما عدا البرني والعجوة فقط:

ونقل ابن جرير عن بعض أهل البصرة يقول: اللينة من اللون، وقال: وإنما سميت لينة، لأنها فعلة من فعل وهو اللون، وهو ضرب من النخل: ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت إلى يا إلخ وهذا الأخير قريب مما عليه أهل المدينة اليوم: حيث يطلقون كلمة " لونة " على ما لا يعرفون له اسماً خاصاً، ولعل كلمة - لونة - محرفة عن كلمة لينة، ويوجد عند أهل المدينة من أنواع النخيل ما يقرب من سبعين نوعاً.

وقيل: إن اللينة كل شجرة لليونتها بالحياة.

وقد نزلت هذه الآية في تقطيع وتحريق بعض النخيل لبني النضير عند حصارهم وقطع من البستان المعروف بالبويرة، كما روى ابن كثير عن صاحبي الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله عز وجل: { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } [الحشر: 5] الآية.

وقال حسان رضي الله عنه:
وهَان عَلَى سراة بَنِي لؤي   حريق بالبويرة مستطير
والبويرة معروفة اليوم، وهو بستان يقع في الجنوب الغربي من مسجد قباء.

وقيل في سبب نزولها: إن اليهود قالوا: يا محمد إنك تنهي عن الفساد، فما بالك تأمر بقطع الأشجار؟ فأنزل الله الآية.

وقيل: إن المسلمين نهى بعضهم بعضاً عن قطع النخيل، وقالوا إنما هو مغانم المسلمين، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطع من الإثم، وأن قطع ما قطع وترك ما ترك { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ }.

وعلى هذه الأقوال، قال ابن كثيرة وغيره: إن قوله تعالى: { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي الإذن القدري والمشيئة الإلهية، أي كما في قوله تعالى:وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 166]، وقوله:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران: 152].

والذي يظهر - والله تعالى أعلم. أن الإذن المذكور في الآية، هو إذن شرعي، وهو ما يؤخذ من عموم الإذن في قوله تعالى:أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج: 39]، لأن الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه بناء على قاعدة الأمر بالشيء أمر به وبمالا يتم إلا به.

والحصار نوع من القتال، ولعل من مصلحة الحصار قطع بعض النخيل لتمام الرؤية، أو لإحكام الحصار، أو لإذلال وإرهاب العدو في حصاره وشعاره بعجزه عن حماية أمواله وممتلكاته، وقد يكون فيه إثارة له ليندفع في حمية للدفاع عن ممتلكاته وأمواله، فينكشف عن حصونه ويسهل القضاء عليه، إلى غير ذلك من الأغراض الحربية، والتي أشار الله تعالى إليها في قوله: { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } أي بعجزهم وإذلالهم وحسرتهم، وهم يرون نخيلهم يقطع ويحرق فلا يملكون له دفعاً.

السابقالتالي
2