الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

وإن تعجبْ - يا محمد - لقولهم فهذا موضعٌ يَتَعَجَّبُ منه الخَلْق، فالعَجَبُ لا يجوز في صفة الحقِّ، إذ إن التعجبَ الاستبعادُ والحقُّ لا يَسْتَبْعِدُ شيئاً، وإنما أثبت موضعَ التعجب للخَلْق، وحَسَنٌ ما قالوا: " إنما تعجب من حجب " لأنَّ مَنْ يَنَلْ عيونَ البصيرةِ لا يتعجَّبُ مِنْ شيء.

وقومٌ أطلقوا اللفظ بأن هذا من باب الموافقة أي إنك إن تعجب فهذا عجب موافقتك له.

وإطلاق هذا - وإن كان فيه إشارة إلى حالة لطيفة - لا يجوز، والأدبُ السكوتُ عن أمثال هذا. والقوم عبّروا عن ذلك فقالوا: أعجبُ العجبِ قول ما لا يجوز في وصفه العجب.. وإِنْ تعجَّب.

وقوله تعالى: { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }: استبعادُهم النشأةَ الثانيةَ - مع إقرارهم بالخَلْقِ الأولِ وهما في معنًى واحد - موضعُ التعجب، إذ هو صريح في المناقضة، وكان القومُ أَصحابَ تمييز وتحصيل، فقياسٌ مثل هذا يدعو إلى العجب. ولكن لولا أن الله - سبحانه - لَبَّسَ عليهم كما قال:فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [يس: 9] - وإلا ما كان ينبغي أَنْ يخفي عليهم جواز هذا مع وضوحه.