الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: في مخالفة حدوده وفرائضه. وأصله من المحادّة، بمعنى المعاداة؛ لأن كُلاً من المتعاديين في حدّ غير حدّ الآخر. { كُبِتُواْ } أي: أُخْزُوا { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: كفار الأمم الماضية. { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } قال ابن جرير: أي: دلالات مفصّلات، وعلامات محكمات، تدلّ على حقائق حدود الله. { بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يعني: منكري تلك الآيات وجاحديها.

تنبيه

فسّر بعضهم { يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بمعنى يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما.

قال محشّيه: ففيه وعيد عظيم للملوك، وأمراء السوء، الذين وضعوا أموراً خلاف ما حدّه الشرع، وسموها قانوناً.

وقال: وقد صنّف العارف بالله تعالى الشيخ بهاء الدين، قدّس الله روحه، رسالة في كفر من يقول: يعمل بالقانون والشرع، إذا قابل بينهما، وقد قال الله تعالى:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا تقبل التكميل، وإذا جاء نهر الله، بطل نهر معقل. انتهى كلامه.

ولا يخفى أن إطلاق الكفر لمجرد ذلك من غير تفصيل، فيه نظر. لأنه من تنطع الغالين من الفقهاء، الذين زيّف أقوالهم في التكفير كثير من العلماء النحارير، فإن التكفير ليس بالأمر اليسير. والحق في ذلك أن القانون الذي يهدم نصوص الشرع التي لا تحتمل التأويل ويبطلها وينسخها، فإنه كفر وضلال. لا يقول به، ولا يعول عليه، إلا المارقون الجاحدون. وأما غير المنصوص عليه، أعني ما لم يكن قاطعاً في بابه، من آية محكمة، أو خبر متواتر، أو إجماع من الفروع النظرية، والمسائل الاجتهادية المدوّنة، فمخالفتها إلى قانون عادل لا يعدّ ضلالاً ولا كفراً؛ لأنه ليس من مخالفة الشرع في شيء، إذ الشرع ما شرعه الله ورسوله، وأحكم الأمر فيه، وبين بيانا رفع كل لبس، لا ما تخالف فيه الفقهاء، وكان مأخذه من الاجتهاد، وإعمال الرأي، فإن ذلك، لا عصمة فيه من الخطأ مهما بلغ رائيه من المكانة، إذ لا عصمة إلا في نص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكثيراً ما تتشابه فروع الفقهاء بمواد القانون، ولذا ألف بعض المتأخرين كتاباً في مطابقة المواد النظامية للفروع الفقهية. وذلك لأن مورد الجميع واحد، وهو الرأي والاجتهاد ورعاية المصلحة.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب في هذا المعنى سماه (السياسة الشرعية)، وكذا لتلميذه الإمام ابن القيّم، وهو أوسع. ولنجم الدين الطوفي أيضاً رسالة في المصالح المرسلة، جمعناها من شرحه للأربعين النووية. وقد أرجع العز بن عبد السلام فروع الفقه في قواعده إلى قاعدتين: اعتبار المصالح، ودرء المفاسد.

قال القاضي زكريا: وبحث بعضهم رجوع الجميع إلى جلب المصالح.

وقال الشاطبيّ في (الموافقات): إن الشارع قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، وبأن تكون مصالح على الإطلاق، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبديّاً وكليّاً وعامّاً في جميع أنواع التكليف والمكلفين من جميع الأحوال.

السابقالتالي
2