الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }

{ إِنَّا كُلَّ شَىْء } من الأشياء { خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } أي مقدراً مكتوباً في اللوح قبل وقوعه، فالقدر بالمعنى المشهور الذي يقابل القضاء، وحمل الآية على ذلك هو المأثور عن كثير من السلف، وروى الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبـي هريرة قال: «جاء مشركو قريش يخاصمون / رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 48-49]» وأخرج البخاري في «تاريخه» والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن عدي وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية " أنزلت فيهم آية في كتاب اللهإِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } [القمر: 47] إلى آخر الآيات. وكان ابن عباس يكره القدرية جداً، أخرج عبد بن حميد عن أبـي يحيـى الأعرج قال سمعت ابن عباس وقد ذكر القدرية يقول: لو أدركت بعضهم لفعلت به كذا وكذا ثم قال: الزنا بقدر والسرقة بقدر وشرب الخمر بقدر. وأخرج عن مجاهد أنه قال: قلت لابن عباس: ما تقول فيمن يكذب بالقدر؟ قال: اجمع بيني وبينه قلت: ما تصنع به؟ قال: أخنقه حتى أقتله. وقد جاء ذمهم في أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم " وجوز كون المعنى إنا كل شيء خلقناه مقدراً محكماً مستوفى فيه مقتضى الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين، فالآية من بابوَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [الفرقان: 2] ونصب { كُلٌّ } بفعل يفسره ما بعده أي إنا خلقنا كل شيء خلقناه.

وقرأ أبو السمال - قال ابن عطية: وقوم من أهل السنة - برفع (كل) وهو على الابتداء، وجملة { خَلَقْنَـٰهُ } هو الخبر، و { بِقَدَرٍ } متعلق به كما في القراءة المتواترة، فتدل الآية أيضاً على أن كل شيء مخلوق بقدر ولا ينبغي أن تجعل جملة { خَلَقْنَـٰهُ } صفة، ويجعل الخبر { بِقَدَرٍ } لاختلاف القراءتين معنى حينئذ، والأصل توافق القراآت، وقال الرضي: لا يتفاوت المعنى لأن مراده تعالى بكل شيء كل مخلوق سواء نصب { كُلٌّ } أو رفعته وسواء جعلت { خَلَقْنَـٰهُ } صفة مع الرفع، أو خبراً عنه، وذلك إن خلقنا كل شيء بقدر لا يريد سبحانه به خلقنا كل ما يقع عليه اسم شيء لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية واسم الشيء يقع على كل منها، وحينئذ نقول: إن معنى { كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } على أن { خَلَقْنَـٰهُ } هو الخبر كل مخلوق مخلوق بقدر وعلى أن { خَلَقْنَـٰهُ } صفة كل شيء مخلوق كائن بقدر والمعنيان واحد إذ لفظ { كُلٌّ } في الآية مختص بالمخلوقات سواء كان { خَلَقْنَـٰهُ } صفة له أو خبراً.

السابقالتالي
2