الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }

جاءت هذه الآية تشريعاً لحكم المطلقات قبل البناء بهن أن لا تلزمهن عِدَّة بمناسبة حدوث طلاق زيد بن حارثة زوجه زينب بنت جحش لتكون الآية مخصصة لآيات العدة من سورة البقرة، فإن الأحزاب نزلت بعد البقرة، وليخصص بها أيضاً آية العِدّة في سورة الطلاق النازلة بعدها لئلاَّ يظنّ ظانّ أن العدة من آثار العقد على المرأة سواء دخل بها الزوج أم لم يدخل. قال ابن العربي وأجمع علماء الأمة على أن لا عدّة على المرأة إذا لم يدخل بها زوجها لهذه الآية. والنكاح هو العقد بين الرجل والمرأة لتكون زوجاً بواسطة وليها. وهو حقيقة في العقد لأن أصل النكاح حقيقة هو الضمّ والإِلصاق فشبه عقد الزواج بالالتصاق والضم بما فيه من اعتبار انضمام الرجل والمرأة فصارا كشيئين متّصلَيْن. وهذا كما سمي كلاهما زوجاً، ولا يعرف في كلام العرب إطلاق النكاح على غير معنى العقد دون معنى الوطء ولذلك يقولون نكحت المرأة فُلاناً، أي تزوجته، كما يقولون نكح فلان امرأة. وزعم كثير من مدوِّني اللغة أن النكاح حقيقة في إدخال شيء في آخر. فأخذوا منه أنه حقيقة في الوطء، ودرج على ذلك الأزهري والجوهري والزمخشري، وهو بعيد، وعلى ما بنوه أخطأ المتنبي في استعماله إذ قال
أنكحتُ صم حصاها خُفّ يعملة تَغَشْمَرت بي إليكَ السهل والجبلا   
ولا حجة في كلامه، ولذلك تأوله أبو العلاء المعرّي في معجز أحمد بأنه أراد جمعت بين صم الحصى وخف اليعملة. وتعليق الحكم في العِدَّة بالمؤمنات جرى على الغالب لأن نساء المؤمنين يومئذٍ لم يكنَّ إلا مؤمنات وليس فيهن كتابيات فينسحب هذا الحكم على الكتابية كما شملها حكم الاعتداد إذا وقع مسيسها بطرق القياس. والمس والمسيس كناية عن الوطء، كما سمي ملامسة في قولهأو لامستم النساء } النساء 43. والعِدّة بكسر العين هي في الأصل اسم هيئة من العَدّ بفتح العين وهو الحساب فأطلقت العِدّة على الشيء المعدود، يقال جاء عِدة رجال، وقال تعالىفعدة من أيام أخر } البقرة 184. وغلب إطلاق هذا اللفظ في لسان الشرع على المدة المحددة لانتظار المرأة زواجاً ثانياً، لأن انتظارها مدة معدودة الأزمان إما بالتعيين وإما بما يحدث فيها من طهر أو وضع حمل فصار اسمَ جنس ولذلك دخلت عليه { مِن } التي تدخل على النكرة المنفية لإِفادة العموم، أي فما لكم عليهن من جنس العدة. والخطاب في { لكم } للأزواج الذين نكحوا المؤمنات. وجعلت العدة لهم، أي لأجلهم لأن المقصد منها راجع إلى نفع الأزواج بحفظ أنسابهم ولأنهم يملكون مراجعة الأزواج ما دُمْن في مدة العدّة كما أشار إليه قوله تعالىلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } الطلاق 1.

السابقالتالي
2