قوله تعالى: { وَأَنِ ٱحْكُم }: فيه أربعةُ أوجه، أحدها: أنَّ محلَّها النصبُ عطفاً على الكتاب، أي: وأَنْزلنا إليكم الحكمَ. والثاني: أنها في محلِّ جرٍ عطفاً على " بالحق " أي: أَنْزلناه بالحقِّ وبالحكم " وعلى هذا الوجهِ فيجوزُ في محلِّ " أَنْ " النصبُ والجرُّ على الخلافِ المشهور. والثالث: أنَّها في محلِّ رفعٍ على الابتداء وفي تقديره خبره احتملان أحدُهما: أنْ تقدِّر متأخراً أي: حكمُك بما أنزلَ اللّهُ أمرُنا أو قولنا، والآخر: أن تقدِّره متقدماً أي: ومن الواجبِ أن احكم أي: حكمُك. والرابع: أنها تفسيريةٌ، قال أبو البقاء: " وهو بعيدٌ لأن الواو تمنع من ذلك، والمعنى يُفْسِدُ ذلك، لأنَّ " أَنْ " التفسيريةَ ينبغي أن يَسْبِقها قولٌ يُفَسَّر بها " أمَّا ما ذكره مِنْ مَنْعِ الواو أَنْ تكون " أَنْ " تفسيريةً فواضح، وأمَّا قولُه: " يسبِقُها قولٌ " إصلاحُه أن يقولَ: " ما هو بمعنى القول لا حروفه " ثم قال: " ويمكنُ تصحيحُ هذا القولِ بأن يكون التقدير: وأمرناك، ثم فَسَّر هذا الأمرَ بـ " احكم " ومنع الشيخُ من تصحيحِ هذا القول بما ذكره أبو البقاء، قال: " لأنه لم يُحْفَظْ من لسانِهم حذفُ الجملةِ المفسَّرة بـ " أَنْ " وما بعدها " وهو كما قال. وقراءتا ضمِّ نونِ " أن " وكسرِها واضحتان مِمَّا تقدَّم في البقرة: الضمة للإِتباع والكسر على أصل التقاء الساكنين. والضميرُ في " بينهم ": إمَّا لليهود خاصةً وإمَّا لجميع المتحاكمين. قوله: { أَن يَفْتِنُوكَ } فيه وجهان، أظهرُهما: أنه معفولٌ من أجله أي: احْذَرهم مخافةَ أَنْ يَفْتِنوك. والثاني: أنها بدلٌ من المفعول على جهةِ الاشتمال كأنه [قال]: " واحْذَرْهُمْ فتنتهم " كقولك: " أعجبني زيد علمُه " وقوله: { فَإِن تَوَلَّوْاْ } قال ابن عطية: " قبلَه محذوفٌ يدل عليه الظاهرُ تقديرُه: لا تتبعْ واحذَرْ، فإنْ حَكَّموك مع ذلك واستقاموا لك فنعِمَّا ذلك، وإن تَوَلَّوا فاعَلْم " ويَحْسُن أن يُقَدَّر هذا المحذوفُ المعادلُ بعد قولِه: " لفاسقون " والذي ينبغي إلاَّ يقال في هذا النوع ثَمَّ حذفٌ؛ لأن ذلك من بابِ فحو الخطاب، والأمرُ فيه واضح.