الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }

{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } وذلك لإعانتهما فيها، ووجود الشرف بهما. ثم أشار إلى أنهما ليسا من أسباب الشرف الأخرويّ، إذ لا يحتاج فيها إليهما، بقوله: { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي: والأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية، من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات، خير عند ربك من المال والبنين في الجزاء والفائدة. وخير مما يتعلق بهما من الأمل. فإن ما ينال بهما من الآمال الدنيوية أمرها إلى الزوال. وما ينال بالباقيات الصالحات من منازل القرب الربانيّ والنعيم الأبديّ لا يزول ولا يحول.

لطائف

1- تقديم { ٱلْمَالُ } على (البنين) لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد. ولكون الحاجة إليه أَمَس؛ ولأنه زينة بدونهم من غير عكس.

2- إفراد (الزينة) مع أنها مسندة إلى الاثنين لما أنها مصدر في الأصل. أطلق على المفعول مبالغة. كأنها نفس الزينة. وإضافتها إلى الحياة اختصاصية؛ لأن زينتها مختصة بها.

3- إخراج بقاء الأعمال وصلاحها مخرج الصفات المفروغ عنها، مع أن حقهما أن يكونا مقصودي الإفادة، لا سيما في مقابلة إثبات الفناء لما يقابلهما من المال والبنين على طريقةمَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [النحل: 96] - للإيذان بأن بقاءها أمر محقق لا حاجة إلى بيانه. بل لفظ { ٱلْبَاقِيَاتُ } اسم لها لا وصف؛ ولذلك لم يذكر الموصوف. وإنما الذي يحتاج إلى التعرض له خيريّتها.

4- تكرير { خَيْرٌ } للإشعار باختلاف حيثيتي الخيرية والمبالغة. كذا يستفاد من أبي السعود، مع زيادة.

5- وقع في كلام السلف تفسير { وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ } بالصلوات وأعمال الحج والصدقات والصوم والجهاد والعتق وقوله: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) والكلام الطيب وبغيرهما، مما روي مرفوعاً وموقوفاً. والمرفوع من ذلك كله لم يخرج في الصحيحين. وكله على طريق التمثيل. وإن اللفظ الكريم يتناولها لكونها من أفراده.

ثم أشار تعالى إلى تحذير المشركين من أهوال القيامة التي هي الوعد الحق والفيصل الصدق، بقوله سبحانه: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ... }.