الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً }

الحق - سبحانه وتعالى - وهو خالق الآيات في الكون يُنبِّه إليها الخَلْق، وكان من المفروض ممَّن يرى الآيات أنْ يتنبه إليها دون أنْ يُنبه، فإذا رأى عجيبة من عجائب الكون تأملها، وسبق أنْ ضربنا لذلك مثلاً بمَنِ انقطعت به السُّبل في صحراء شاسعة، ليس بها أنيس ولا حياة، وقد بلغ به الجهد حتى نام، فلما استيقظ وجد مائدة عليها أطايب الطعام أو الشراب، بالله قبل أنْ تمتدَّ يده إلى الطعام، أليس من المفروض أنْ يفكر في هذا الطعام، مَنْ أتى به؟ وأعدَّه على هذه الصورة؟ إذن: في الكون آياتٌ كان يجب أنْ تشدَّ انتباهك لتبحث فيها وفي آثار وجودها وكلها آيات عالية عَنّا وفوق إمكاناتنا: الشمس والقمر، الهواء والمطر.. إلخ. ومع ذلك لم يتركك الله لأن تتنبه أنت، بل نبَّهك ولفتَك وجذب انتباهك لهذه ولهذه. وهنا، الحق - تبارك وتعالى - يعرض الآيات والكونيات التي يراها الإنسان برتابة كل يوم، يراها الفيلسوف كما يراها راعي الشاة، يراها الكبير كما يراها الصغير كل يوم على نظام واحد، لا يكاد يلتفت إليها. يقول سبحانه: { أَلَمْ تَرَ.. } [الفرقان: 45] أي: ألم تعلم، أو ألم تنظر إلى صَنْعة ربك { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } [الفرقان: 45] نعم نرى الظل، فما هو؟ الظل أنْ يَحْجب شيء كثيف على الأرض - مثل جبل أو بناء أو شجرة أو نحوه - ضوءَ الشمس، فتظهر منطقة الظل في المكان المُشْمِس، فالمسألة - إذن - متعلقة بالشمس، وبالأرض التي نعيش عليها. وقد علمنا أن الأرض كرة تواجه الشمس، فالجهة المواجهة منها للشمس تكون مُضَاءة، والأخرى تكون ظلاماً لا نقول - ظلاً، فما الفرق بين الظلِّ والظلام؟ قالوا: إذا كان الحاجبُ لضوء الشمس من نفس الأرض فهي ظُلْمة، وإنْ كان الحاجب شيئاً على الأرض فهو ظل. والظل نراه في كل وقت، وقد ورد في عدة مواضع من كتاب الله، فقال سبحانه:إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } [المرسلات: 41]. وقال:لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } [النساء: 57] وقال:أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ.. } [النحل: 48]. ينبهنا ربنا - تبارك وتعالى - إلى مهمة أخرى من مهام الظل، وهي أنه يحمينا من وَخْزة الشمس وحرارتها، ويرتقي الإنسان في استخدام الظل فيجعله كما قال تعالىظِـلاًّ ظَلِيلاً } [النساء: 57] أي: أن الظل نفسه مُظلَّل، فيجعلون الخيمة مثلاً لها سقفان منفصلان حتى لا يتأثر داخلُ الخيمة بالحرارة خارجها. لذلك تجد ظل الشجرة ألطفَ من ظِلِّ الحائط مثلاً أو المظلة لأن أوراق الشجرة يُظلِّل بعضها بعضاً، فالظل يأتيك من مُظلل آخر، فتشعر تحت ظل الشجرة وكأنك في تكييف لأن الأوراق تَحجب عنك حرارة الشمس، في حين تسمح بمرور الهواء، كما قال الشاعر في وصف دوحة:

السابقالتالي
2