الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

فيه وجوه. أحدها: تسلية لقلب النبـي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتحريض لهم على ما أمر به النبـي صلى الله عليه وسلم من الصبر والتسبيح، أي اشتغل بما قلناه ولا يشغلك الشكوى إلينا فإنا نعلم أقوالهم ونرى أعمالهم، وعلى هذا فقوله: { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } مناسب له أي لا تقل بأني أرسلت إليهم لأهديهم، فكيف أشتغل بما يشغلني عن الهداية وهو الصلاة والتسبيح، فإنك ما بعثت مسلطاً على دواعيهم وقدرهم، وإنما أمرت بالتبليغ، وقد بلغت فاصبر وسبح وانتظر اليوم الذي يفصل فيه بينكم. ثانيها: هي كلمة تهديد وتخويف لأن قوله:وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } [قۤ: 43] ظاهر في التهديد بالعلم بعملكم لأن من يعلم أن مرجعه إلى الملك ولكنه يعتقد أن الملك لا يعلم ما يفعله لا يمتنع من القبائح، أما إذا علم أنه يعلمه وعنده غيبه وإليه عوده يمتنع فقال تعالى: { وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِير } و { نَّحْنُ أَعْلَمُ } وهو ظاهر في التهديد، وهذا حينئذ كقوله تعالى:ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الزمر: 7]. ثالثها تقرير الحشر وذلك لأنه لما بيّن أن الحشر عليه يسير لكمال قدرته ونفوذ إرادته ولكن تمام ذلك بالعلم الشامل حتى يميز بين جزء بدنين جزء بدن زيد وجزء بدن عمرو فقال: { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } لكمال قدرتنا، ولا يخفى علينا الأجزاء لمكان علمنا، وعلى هذا فقوله: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } معناه نحن نعلم عين ما يقولون في قولهمأَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } [المؤمنون: 82]أَئذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ } [السجدة: 10] فيقول: نحن نعلم الأجزاء التي يقولون فيها إنها ضالة وخفية ولا يكون المراد نحن نعلم وقولهم في الأول جاز أن تكون ما مصدرية فيكون المراد من قوله: { بِمَا يَقُولُونَ } أي قولهم، وفي الوجه الآخر تكون خبرية، وعلى هذا الدليل فلا يصح قوله: { نَّحْنُ أَعْلَمُ } إذ لا عالم بتلك الأجزاء سواه حتى يقول: { نَّحْنُ أَعْلَمُ } نقول قد علم الجواب عنه مراراً من وجوه: أحدها: أن أفعل لا يقتضي الاشتراك في أصل الفعل كما في قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ } [الأحزاب: 37] وفي قوله تعالى:أَحْسَنُ نَدِيّاً } [مريم: 77]، وفي قوله:وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 27]. ثانيها: معناه نحن أعلم بما يقولون من كل عالم بما يعلمه، والأول أصح وأظهر وأوضح وأشهر وقوله: { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } فيه وجوه: أحدها: أن للتسلية أيضاً، وذلك لأنه لما من عليه بالإقبال على الشغل الأخروي وهو العبادة أخبر بأنه لم يصرف عن الشغل الآخر وهو البعث، كما أن الملك إذا أمر بعض عبيده بشغلين فظهر عجزه في أحدهما: يقول له أقبل على الشغل الآخر ومنهما ونحن نبعث من يقدر على الذي عجزت عن منهما، فقال: { اصبر.

السابقالتالي
2