الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

فيه سبع مسائل: الأولى: كان أيوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة وفي سبب ذلك أربعة أقوال: أحدها: ما حكاه ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه. قالت: نعم! فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها. وقال: وَيْحَكِ ذلك الشيطان. الثاني: ما حكاه سعيد بن المسيّب، أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز، فخاف خيانتها فحلف ليضربنها. الثالث: ما حكاه يحيـى بن سلاّم وغيره: أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقرّباً إليه وأنه يبرأ فذكرت ذلك له فحلف ليضربنها إن عوفي مائة. والرابع قيل: باعت ذوائبها برغيفين إذ لم تجد شيئاً تحمله إلى أيوب، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام، فلهذا حلف ليضربنها، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثاً فيضرب به، فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة. وقيل: الضغث قبضة حشيش مختلطة الرَّطب باليابس. وقال ابن عباس: إنه إثكال النخل الجامع بشماريخه. الثانية: تضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديباً. وذلك أن امرأة أيوب أخطأت فحلف ليضربنها مائة، فأمره الله تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل، وهذا لا يجوز في الحدود. إنما أمره الله بذلك لئلا يضرب امرأته فوق حدّ الأدب. وذلك أنه ليس للزوج أن يضرب امرأته فوق حدّ الأدب ولهذا قال عليه السلام: " واضربوهنّ ضرباً غير مُبرِّح " على ما تقدم في «النساء» بيانه. الثالثة: واختلف العلماء في هذا الحكم هل هو عام أو خاص بأيوب وحده فروي عن مجاهد أنه عام للناس. ذكره ابن العربي. وحكي عن القشيري أن ذلك خاص بأيوب. وحكى المهدوي عن عطاء بن أبي رباح أنه ذهب إلى أن ذلك حكم باق، وأنه إذا ضرب بمائة قضيب ونحوه ضربة واحدة بَرَّ. وروى نحوه الشافعي. وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقعد الذي حملت منه الوليدة، وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة. وقال القشيري: وقيل لعطاء هل يعمل بهذا اليوم؟ فقال: ما أنزل القرآن إلا ليعمل به ويتبع. ابن العربي: وروي عن عطاء أنها لأيوب خاصة. وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك: من حلف ليضربنّ عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرّ. قال بعض علمائنا: يريد مالك قوله تعالى:لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [المائدة: 48] أي إن ذلك منسوخ بشريعتنا. قال ابن المنذر: وقد روينا عن عليّ أنه جلد الوليد بن عقبة بسوط له طرفان أربعين جلدة.

السابقالتالي
2 3 4