الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ }

وقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً } الخ كالتأكيد لما قبله والتنوير له. والإزجاء سوق الشيء برفق وسهولة، وقيل: سوق الثقيل برفق وغلب على ما ذكر بعض الأجلة في سوق شيء يسير أو غير معتد به، ومنه البضاعة المزجاة أي المسوقة شيئاً بعد شيء على قلة وضعف، وقيل: أي التي تزجي أي تدفع للرغبة عنها. وفي التعبير بيزجي على ما ذكر إيماء إلى أن السحاب / بالنسبة إلى قدرته تعالى مما لا يعتد به، وهو اسم جنس جمعي واحده سحابة، والمعنى كما في «البحر» يسوق سحابة إلى سحابة { ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ } بأن يوصل سحابة بسحابة، وقال غير واحد: السحاب واحد كالعماء والمراد يؤلف بين أجزائه وقطعه وهذا لأن بين لا تضاف لغير متعدد وبهذا التأويل يحصل التعدد كما قيل به في قوله: بين الدخول فحومل، واستغنى بعضهم عنه بجعل السحاب اسم جنس جمعي على ما سمعت. وقرأ ورش عن نافع { يُؤَلّفُ } غير مهموز { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أي متراكماً بعضه فوق بعض.

{ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } أي المطر شديداً كان أو ضعيفاً إثر تراكمه وتكاثفه، وأخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي بجيلة عن أبيه أنه فسر الودق بالبرق ولم نره لغيره والذي رأيناه في معظم «التفاسير» و«كتب اللغة» أنه المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أي من فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والانعصار وهو جمع خلل كجبال وجبل، وقيل: هو مفرد كحجاب وحجاز، وأيد بقراءة ابن عباس وابن مسعود وابن زيد والضحاك ومعاذ العنبري عن أبـي عمرو والزعفراني { من خلله } والمراد حينئذٍ الجنس. والجملة في موضع الحال من { ٱلْوَدْقَ } لأن الرؤية بصرية، وفي تعقيب الجعل المذكور برؤيته خارجاً لا بخروجه من المبالغة في سرعة الخروج على طريقة قوله تعالى:فَقُلْنَا ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } [الشعراء: 63] ومن الاعتناء بتقرير الرؤية ما لا يخفى.

{ وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } أي من السحاب فإن كل ما علاك سماء، وكأن العدول عنه إلى السماء للإيماء إلى أن للسمو مدخلاً فيما ينزل بناءً على المشهور في سبب تكون البرد، وجوز أن يراد بها جهة العلو وللإيماء المذكور ذكرت مع التنزيل { مِن جِبَالٍ } أي من قطع عظام تشبه الجبال في العظم على التشبيه البليغ كما في قوله تعالى:حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [الكهف: 96] والمراد بها قطع السحاب، ومن الغريب الذي لا تساعده اللغة كما في «الدرر والغرر الرضوية» قول الأصبهاني: إن الجبال ما جبله الله تعالى أي خلقه من البرد { فِيهَا } أي في السماء، والجار والمجرور في موضع الصفة لجبال، وقوله تعالى: { مِن بَرَدٍ } وهو معروف، وسمي برداً لأنه يبرد وجه الأرض أي يقشره من بردت الشيء بالمبرد مفعول { يُنَزّلٍ } على أن (من) تبعيضية، وقيل: زائدة على رأي الأخفش والأوليان لابتداء الغاية، والجار والمجرور الثاني بدل من الأول بدل اشتمال أو بعض أي ينزل مبتدأ من السماء من جبال كائنة فيها بعض برد أو برداً.

السابقالتالي
2 3 4