الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ }

قوله: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ }: يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " يَوْمَهم " أو منصوباً بإضمار أَعني. ويجوزُ ـ على رَأْيِ الكوفيين ـ أن يكون خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ، وبُنِي على الفتحِ، وإنْ أُضيفَ إلى مُعْربٍ، أي: هو يومَ يَخْرُجون، كقولِه: { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } وقد مَرَّ الكلامُ فيه مُشْبعاً. والعامَّةُ على بناءِ " يَخْرُجون " للفاعلِ، ورُوي عن عاصمٍ بناؤُه للمفعولِ.

قوله: { سِرَاعاً } حالٌ مِنْ فاعل " يَخْرُجون " جمعَ سريع كظِراف في ظَريف. و " كأنَّهم " حالٌ مِنْ ضميرِ الحالِ فتكونُ متداخلةً.

قوله: { إِلَىٰ نُصُبٍ } متعلِّقٌ بالخبرِ. والعامَّةُ على " نَصْبٍ " بالفتح والإِسكان، وابنُ عامر وحفصٌ بضمتين، وأبو عمران الجوني ومجاهد بفتحتَيْن، والحسنُ وقتادةُ بضمةٍ وسكون. فالأُولى هو اسمٌ مفردٌ بمعنى العَلَم المنصوبِ الذي يُسْرِع الشخصُ نحوَه. وقال أبو عمروٍ: " هو شَبَكَةُ الصائدِ يُسْرِع إليها عند وقوعِِ الصيدِ فيها مخافةَ انفلاتِه ". وأمَّا الثانيةُ فتحتمل ثلاثَة أوجهٍ. أحدها:/ أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى الصَّنَمِ المنصوبِ للعبادة، وأنشد للأعشى:
4337ـ وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّه   لعاقبةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا
الثاني: أنه جمعُ نِصاب ككُتُب في كِتاب. الثالث: أنه جمعُ نَصْبٍ نحو: رَهْن في رُهُن، وسَقْف في سُقُف، وهذا قولُ أبي الحسن. وجَمْعُ الجمعِ أَنْصاب. وأمَّا الثالثةُ فَفَعَل بمعنى مَفْعول، أي: مَنْصوب كالقَبَضِ والنَّقَضِ. والرابعةُ تخفيفٌ من الثانية

ويُوْفِضونَ، أي: يُسْرعون. وقيل: يَسْتَبْقون. وقيل: يَسْعَوْن. وقيل: يَنْطَلقون. وهي متقاربَةٌ. وأنشد:
4338ـ فوارِسُ ذُبْيانَ تحت الحَدِيْـ   ــدِ كالجِنِّ تُوْفِضُ مِنْ عَبْقَرِ
وقال آخر:
4339ـ لأَنعتَنْ نَعامةً مِيفاضا   خَرْجاءَ [تَعْدُو] تَطْلُبُ الإِضاضا
أي مُسْرِعة.