الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }

{ وَٱسْتَمِعْ } أمر بالاستماع، والظاهر أنه أريد به حقيقته، والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبره به من أهوال يوم القيامة، وبين ذلك بقوله تعالى: { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } إلى آخره، وسلك هذا لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به. وانتصب { يَوْمٍ } بما دل عليهذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [قۤ: 42] أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور، وقيل: المفعول محذوف تقديره نداء المنادي، وقيل: تقديره نداء الكافرين بالويل والثبور و { يَوْمٍ } ظرف لذلك المحذوف، وقيل: لا يحتاج ذلك إلى مفعول والمعنى كن مستمعاً ولا تكن غافلاً، وقيل: معنى استمع انتظر، والخطاب لكل / سامع، وقيل: للرسول عليه الصلاة والسلام و { يَوْمٍ } منتصب على أنه مفعول به لاستمع أي انتظر يوم ينادي المنادي فإن فيه تبين صحة ما قلته كما تقول لمن تعده بورود فتح: استمع كذا وكذا.

والمنادي على ما في بعض الآثار جبريل عليه السلام بنفخ إسرافيل في الصور وينادي جبريل يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والشعور المتقطعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الحساب. وأخرج ابن عساكر والواسطي في «فضائل بيت المقدس» عن يزيد بن جابر أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيقول: يا أيتها العظام النخرة إلى آخره فيكون المراد بالمنادي هو عليه السلام. وفي «الحواشي الشهابية» الأول هو الأصح.

{ مِنْ مَّكَانٍ قَرِيبٍ } هو صخرة بيت المقدس على ما روي عن يزيد بن جابر وكعب وابن عباس وبريدة وقتادة، وهي على ما روي عن كعب أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً. وفي «الكشاف» أنها أقرب إليها باثني عشر ميلاً وهي وسط الأرض. وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل إلا بوحي، ثم إن كونها وسط الأرض مما تأباه القواعد في معرفة العروض والأطوال، ومن هنا قيل: المراد قريب ممن يناديهم فقيل: ينادي من تحت أقدامهم، وقيل: من منابت شعورهم فيسمع من كل شعرة يا أيتها العظام النخرة الخ، ومن الناس من قال: المراد بقربه كون النداء منه لا يخفى على أحد بل يستوي في سماعه كل أحد، والنداء في كل ذلك على حقيقته، وجوز أن يكون في الإعادة نظير كن في الابتداء على المشهور فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة ولا نداء ولا صوت حقيقة.

ثم إن ما ذكرناه من أن المنادي ملك وأنه ينادي بما سمعت هو المأثور، وجوز أن يكون نداؤه بقوله للنفس: ارجعي إلى ربك لتدخلن مكانك من الجنة أو النار أو هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، وأن يكون المنادي هو الله تعالى يناديٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ } [الصافات: 22] أوأَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [قۤ: 24] مع قوله تعالى:ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ } [قۤ: 34] أوخُذُوهُ فَغُلُّوهُ } [الحاقة: 30] أوأَيْنَ شُرَكَائِيَ } [النحل: 27] أو غير ذلك، وأن يكون غيره تعالى وغير الملك من المكلفين ينادييٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف: 77] أوأَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [الأعراف: 50] أو غير ذلك، والمعول عليه ما تقدم.